للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فخرج أبو محمد وقد أبرمه بتثقيله، وحرمه رواحه ومقيله، فلقي ابن خيرون منتظراً له، وقد أعد لحضوره منزله، فصار إلى مجلس قد ابتسمت ثغور نواره، وخجلت خدود ورده من زواره، وأبدت صدور أباريقه أسرارها، وضمت عليه المحاسن أزرارها، ولما حضر له وقت الأنس وحينه، وأرجت له رياحينه، وجه من يرقب المتوكل حتى يقوم جليسه، ويزول موحشه لا أنيسه، فأقام رسوله وهو بمكانه لا يريمه، وقد لازمه كأنه غريمه، فما انفصل، حتى ظن أن عارض الليل قد نصل، فلما عام أبو محمد بانفصاله بعث إلى المتوكل بقطيع خمر وطبق ورد وكتب معهما: رجز

إليكها فاجتلها منيرةً ... وقد خبا حتى الشهاب الثاقبُ

وافقة بالباب لم يؤذن لها ... إلاَّ وقد كاد ينام الحاجبُ

فبعضها من المخاف جامد ... وبعضها من الحياء ذائبُ

فقبلها رحمه الله وكتب إليه: رجز

قد وصلت تلك التي زففتها ... بكرا وقد شاب لها ذوائب

فهبّ حتّى نستردّ ذاهباً ... من أنسنا أن استردّ ذاهبُ

فركب إليه، ونقل معه ما كان بالمجلس بين يديه، وباتاً ليلتهما لا يريمان السهر، ولا يشيمان برقاً إلاّ الكاس والزهر، وأخبرني ابن زرقون أنه حضر مجلس راح، ومكنس ضباء وأفراح، وفيه جماعة منهم الوزير أبو بكر بن القبطرنة شيخ الفتوة، ومعرض فتياتها المجلوة، ومعهم سعد ابن المتوكل وهو غلام ما نضا عنه الشباب بردة، ولا اذوي ياسمينة ولا وردة، وكان الوزير أبو بكر وأخواه أبو محمد وأبو الحسن مختصين بالفضل أخيه اختصاص الأنوار بالكمائم، واللبات بالتمائم، فتذاكروا فقه، وكيف شفى عليه الزمان حقه، ووصفوا صرعته، وأوقدوا لوعته، والمدام قد روقت دمعه، وشوقت لأحاديثه سمعه، فهاج شجوه، وبان طربه ولهوه، وأرسل مدامعه سجالاً، وقال ارتجالاً: كامل

يا سعد ساعدني ولست بخيلاً ... وامنن بها خمراً تفيض همولاً

وأحبس عليّ دموع عينك ساعة ... وأبرد بها ممّا ألمّ غليلاً

أن يصبح الفضل القتيل فإنّني ... أصبحت من وجدي به مقتولاً

كم قد وفيتم والحمام بمهجتي ... وحملت شول علائكم معقولاً

<<  <   >  >>