للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى الْغُرُوبِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِهِ فَأَفْطَرَ فَظَهَرَ عَدَمُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ قَضَى وَكَفَّرَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ لَا تُعَارِضُ شَهَادَةَ الْإِثْبَاتِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا انْتَفَى فِيهِ الْكَفَّارَةُ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِأَجْلِ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ فَعَلَهُ وَجَبَتْ زَجْرًا لَهُ بِذَلِكَ أَفْتَى أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قُنْيَةٌ وَهَذَا حَسَنٌ نَهْرٌ (وَالْأَخِيرَانِ يَمْسِكَانِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وُجُوبًا عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْفِطْرَ قَبِيحٌ وَتَرْكُ الْقَبِيحِ شَرْعًا وَاجِبٌ

ــ

[رد المحتار]

كَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ شَهِدَا إلَخْ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى شَهَادَةِ الْإِثْبَاتِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ لَا تُعَارِضُ الْإِثْبَاتَ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُثْبِتِ لَا النَّافِي بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَإِذَا لَغَتْ النَّافِيَةُ بَقِيَتْ الْمُثْبِتَةُ فَتُوجِبُ الظَّنَّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ أَنَّ تَعَارَضَهُمَا يُوجِبُ الشَّكَّ وَإِذَا شَكَّ فِي الْغُرُوبِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا مَرَّ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.

قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ فِي الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فَلَمْ تُفِدْ شَيْئًا زَائِدًا بِخِلَافِ الْمُثْبِتَةِ لَكِنَّ هُنَا النَّافِيَةَ تُورِثُ شُبْهَةً فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ بِهَا الْكَفَّارَةُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى الطُّلُوعِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِهِ لَا كَفَّارَةَ اهـ تَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِالتَّحَرِّي [تَتِمَّةٌ] فِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ بِالظَّنِّ إشَارَةً إلَى جَوَازِ التَّسَحُّرِ وَالْإِفْطَارِ بِالتَّحَرِّي وَقِيلَ لَا يَتَحَرَّى فِي الْإِفْطَارِ وَإِلَى أَنَّهُ يَتَسَحَّرُ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَكَذَا بِضَرْبِ الطُّبُولِ وَاخْتُلِفَ فِي الدِّيكِ.

وَأَمَّا الْإِفْطَارُ فَلَا يَجُوزُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ بَلْ بِالْمَثْنَى وَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا صَدَّقَهُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ أَهْلُ الرُّسْتَاقِ بِصَوْتِ الطَّبْلِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ ظَانِّينَ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ وَهُوَ لِغَيْرِهِ لَمْ يُكَفِّرُوا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ قُهُسْتَانِيُّ.

قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِالْفِطْرِ بِقَوْلِ عَدْلٍ صَدَّقَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَا بِقَوْلِ الْمَسْتُورِ مُطْلَقًا وَبِالْأَوْلَى سَمَاعِ الطَّبْلِ أَوْ الْمِدْفَعِ الْحَادِثِ فِي زَمَانِنَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الضَّارِبِ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ التَّحَرِّي فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا جَوَازُ الْإِفْطَارِ بِالتَّحَرِّي كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، وَهِيَ كَالْيَقِينِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ لِمَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ لَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ اهـ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَا يُفْطِرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ الْغُرُوبُ وَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ اهـ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمِدْفَعَ فِي زَمَانِنَا يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَإِنْ كَانَ ضَارِبُهُ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمُوَقِّتَ يَذْهَبُ إلَى دَارِ الْحُكْمِ آخَرَ النَّهَارِ فَيُعَيَّنُ لَهُ وَقْتُ ضَرْبِهِ وَيُعَيِّنُهُ أَيْضًا لِلْوَزِيرِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا ضَرَبَهُ يَكُونُ ذَلِكَ بِمُرَاقَبَةِ الْوَزِيرِ وَأَعْوَانِهِ لِلْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِهَذِهِ الْقَرَائِنِ عَدَمُ الْخَطَأِ وَعَدَمُ قَصْدِ الْإِفْسَادِ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْثِيمُ النَّاسِ وَإِيجَابُ قَضَاءِ الشَّهْرِ بِتَمَامِهِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ غَالِبَهُمْ يُفْطِرُ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْمِدْفَعِ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ وَلَا غَلَبَةِ ظَنٍّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ حَصَلَ فَاصِلٌ بِأَيَّامٍ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَعْصِيَةَ وَهِيَ الْإِفْطَارُ لَا تَجِبُ ط (قَوْلُهُ: وَالْأَخِيرَانِ) أَيْ مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ أَفْطَرَ يَظُنُّ الْوَقْتَ لَيْلًا إلَخْ وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ بِذَلك صَاحِبَ الدُّرَرِ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ فَتْحٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَعَلَى لُزُومِهِ لِمَنْ أَفْطَرَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ) أَيْ تَنَاوُلَ صُورَةِ الْمُفْطِرِ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ فَاسِدٌ قَبْلَهُ وَأَشَارَ إلَى قِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ ذَكَرَ فِيهِ مُقَدِّمَتَا الْقِيَاسِ وَطُوِيَتْ فِيهِ النَّتِيجَةُ وَتَقْرِيرُهُ هَكَذَا الْفِطْرُ قَبِيحٌ شَرْعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>