كِتَابُ النِّكَاحِ
لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ مِنْ عَهْدِ آدَمَ إلَى الْآنَ ثُمَّ تَسْتَمِرُّ فِي الْجَنَّةِ إلَّا النِّكَاحَ وَالْإِيمَانَ. (هُوَ) عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (عَقْدٌ يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ) أَيْ حِلَّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ -
ــ
[رد المحتار]
[كِتَابُ النِّكَاحِ]
ذَكَرَهُ عَقِبَ الْعِبَادَاتِ الْأَرْبَعِ أَرْكَانِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالْبَسِيطِ إلَى الْمُرَكَّبِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُعَامَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ. وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِأَنْكِحَةِ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ بِالْقِتَالِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي الْجِهَادِ حُصُولُ الْقَتْلِ وَالذِّمَّةِ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ تَسَامُحًا نَظَرًا إلَى أَنَّ تَجَدُّدَ الصُّفَّةِ بِمَنْزِلَةِ تَجَدُّدِ الذَّاتِ، وَكَذَا عَلَى الْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَاتٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعِ، حَتَّى قَالُوا إنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ، وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَإِعْفَافِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ إلَخْ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ كَوْنَهُ عِبَادَةً فِي الدُّنْيَا إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْفَافِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْجَنَّةِ، بَلْ وَرَدَ «إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ» لَكِنْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْمُؤْمِنُ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَشْتَهِي» وَهَذَا أَوْلَى لِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الذِّكْرَ وَالشُّكْرَ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنْهُمَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَبْدِ يَصِيرُ كَحَالِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ غَايَتُهُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ بِتَكْلِيفٍ بَلْ هِيَ مُقْتَضَى الطَّبْعِ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمُلُوكِ لَذَّةٌ وَشَرَفٌ، وَتَزْدَادُ بِالْقُرْبِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: عَقْدٌ) الْعَقْدُ مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ أَوْ كَلَامُ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ بَحْرٌ وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ حَلَّ اسْتِمْتَاعُ الرَّجُلِ) أَيْ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَقْدٌ يُفِيدُ حُكْمَهُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِهِ مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَهُوَ اخْتِصَاصُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute