بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْبُيُوعِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ شَرَعَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمُعَامَلَاتِ. وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْوَقْفِ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَكِنْ لَا إلَى مَالِكٍ وَهُنَا إلَيْهِ فَكَانَا كَبَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ وَجُمِعَ لِكَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ
ــ
[رد المحتار]
[كِتَابُ الْبُيُوعِ]
ِ (قَوْلُهُ: لَمَّا فَرَغَ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ وَجُمْلَةِ مَا يَأْتِي مَعَ بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ خُصُوصِ الْوَقْفِ وَالْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِبَادَاتِ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ تَقَرُّبَ الْعَبْدِ إلَى الْمَلِكِ الْمَعْبُودِ، وَنَيْلَ الثَّوَابِ وَالْجُودِ، كَالْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ وَنَحْوِهَا وَبِالْمُعَامَلَاتِ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ قَضَاءَ مَصَالِحِ الْعِبَادِ كَالْبَيْعِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَنَحْوِهَا وَكَوْنُ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا لِعَارِضٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، كَمَا لَا تَخْرُجُ الصَّلَاةُ مَعَ الرِّيَاءِ عَنْ كَوْنِ أَصْلِ الصَّلَاةِ عِبَادَةً. ثُمَّ إنْ مَا تَقَدَّمَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْعِبَادَاتِ بَلْ هُوَ حُقُوقُهُ - تَعَالَى -، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: عِبَادَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ، وَكَفَّارَاتٌ، فَالْمُعَامَلَاتُ فِي مُقَابَلَةِ حُقُوقِهِ - تَعَالَى -: وَأَرَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى شُرُوعُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مِنْ زَمَانٍ فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ وَالْمَفْقُودِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَكَانَ النِّكَاحُ أَوْلَى بِالذِّكْرِ مِنْ اللَّقِيطِ وَنَحْوِهِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لَكِنَّهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَيْضًا، بَلْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ الْعِبَادَاتُ، وَهِيَ تَحْصِينُ النَّفْسِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَكْثِيرُ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ قَالُوا: إنَّ التَّخَلِّيَ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ. وَقَدْ يُقَالُ الْأَوْلَى إيرَادُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ أَيْ الْتِقَاطِهِمَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَجِبُ فَلِذَا ذُكِرَ فِي حُقُوقِهِ - تَعَالَى -، وَكَذَا رَدُّ الْآبِقِ.
وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِيهَا لِمُنَاسَبَةٍ اقْتَضَتْهُ، وَكَذَا اللُّقَطَةُ وَنَحْوِهَا وَالشَّرِكَةُ، وَكَمَا ذَكَرُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ بَعْضَ الْعِبَادَاتِ كَالْأُضْحِيَّةِ لِمُنَاسَبَتِهَا لِلذَّبَائِحِ، وَالْقَرْضِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْبَيْعِ تَأَمَّلْ (قَوْلَهُ: لَكِنْ لَا إلَى مَالِكٍ) أَيْ الْإِزَالَةُ فِي الْوَقْفِ لَا تَنْتَهِي إلَى مَالِكٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ مُلْكِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ: الْإِمَامُ: هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ ط (قَوْلُهُ فَكَانَا كَبَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ) أَيْ وَالْبَسِيطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فِي الْمَوْجُودِ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ. قَالَ: ط: وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مُرَكَّبًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهَا تَرْكِيبٌ، (قَوْلُهُ: وَجَمَعَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا وَالْمَصْدَرُ لَا يُجْمَعُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْحَدَثِ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَقَدْ جَمَعَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ فَجُمِعَ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا يُجْمَعُ الْمَبِيعُ، أَيْ فَإِنَّ أَنْوَاعَ الْمَبِيعَاتِ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَوْ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ جُمِعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ.
١ -
فَإِنَّ الْبَيْعَ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute