للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا بِمُؤْنِسَةٍ) وَيَأْمُرُهُ بِإِسْكَانِهَا بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ سِرَاجِيَّةٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّ الْبَيْتَ بِلَا جِيرَانٍ لَيْسَ مَسْكَنًا شَرْعِيًّا بَحْرٌ. وَفِي النَّهْرِ: وَظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا لَوْ الْبَيْتُ خَالِيًا عَنْ الْجِيرَانِ لَا سِيَّمَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى عَقْلِهَا مِنْ سَعَتِهِ. قُلْت: لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِمَا مَرَّ أَنَّ مَا لَا جِيرَانَ لَهُ غَيْرُ مَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ، فَتَنَبَّهْ (وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ) فِي كُلِّ جُمُعَةٍ إنْ لَمْ يَقْدِرَا عَلَى إتْيَانِهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ أَبُوهَا

ــ

[رد المحتار]

إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى حَالِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَبَلَدِهِ، إذْ بِدُونِ ذَلِكَ لَا تَحْصُلُ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى - {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦]-.

[مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُؤْنِسَةِ]

ِ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا بِمُؤْنِسَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرَ الْمُؤْنِسَةِ إلَّا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ قَالَ إنَّهَا لَا تَجِبُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: هَكَذَا قَالُوا لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ أَحَبَّ وَلَكِنْ بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ؛ وَلَوْ قَالَتْ إنَّهُ يَضْرِبُنِي وَيُؤْذِينِي فَمُرْهُ أَنْ يُسْكِنَنِي بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ؛ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ وَمَنَعَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا وَإِلَّا يَسْأَلُ الْجِيرَانَ عَنْ صَنِيعِهِ، فَإِنْ صَدَّقُوهَا مَنَعَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا، وَلَا يَتْرُكُهَا ثَمَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِوَارِهَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَى الزَّوْجِ أَمَرَهُ بِإِسْكَانِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ. اهـ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ يَضْرِبُ وَإِنَّمَا قَالُوا زَجَرَهُ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ تَعْزِيرَهُ وَإِنَّمَا طَلَبَتْ الْإِسْكَانَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ لَيْسَ بِمَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ. اهـ (قَوْلُهُ لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَخْ) أَيْ نَظَرَ فِي كَلَامِ النَّهْرِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَلَمْ تُطَالِبْهُ بِمَسْكَنٍ لَهُ جِيرَانٌ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِلُزُومِ الْمُؤْنِسَةِ وَعَدَمِهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَاكِنِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْجِيرَانِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا كَمَسَاكِنِ الرُّبُوعِ وَالْحِيْشَانِ فَلَا يَلْزَمُ لِعَدَمِ الِاسْتِيحَاشِ بِقُرْبِ الْجِيرَانِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا كَالدَّارِ الْخَالِيَةِ مِنْ السُّكَّانِ الْمُرْتَفِعَةِ الْجُدَرَانِ يَلْزَمُ لَا سِيَّمَا إنْ خَشِيَتْ عَلَى عَقْلِهَا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ، وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ: إسْكَانُهَا بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ، وَعَدَمُ الِاسْتِيحَاشِ، فَإِذَا أَسْكَنَهَا فِي دَارٍ وَكَانَ يَخْرُجُ لَيْلًا لِيَبِيتَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ أَوْ خَادِمٌ تَسْتَأْنِسُ بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يَدْفَعُ عَنْهَا إذَا خَشِيَتْ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ ذَوِي الْفَسَادِ كَانَ مِنْ الْمُضَارَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ فَيَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا بِمُؤْنِسَةٍ أَوْ إسْكَانُهَا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ عِنْدَ مَنْ لَا يُؤْذِيهَا إنْ كَانَ مَسْكَنًا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ: هَكَذَا قِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَقِيلَ يَمْنَعُ؛ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ إلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي كُلِّ سَنَةٍ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ فَقَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ مُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِالشَّهْرِ فِي دُخُولِ الْمَحَارِمِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْفَتْحِ، نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَا عَلَى إتْيَانِهَا، فَإِنْ قَدَرَا لَا تَذْهَبُ وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا وَأَشَارَ إلَى نَقْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ. وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْت، وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ، أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحُ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ شَابَّةً وَالزَّوْجُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، بِخِلَافِ خُرُوجِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْسَرَ. اهـ.

وَهَذَا تَرْجِيحٌ مِنْهُ لِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهَا تَخْرُجُ لِلْوَالِدَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ، وَلِلْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً بِإِذْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>