مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ يُؤْذِيهَا، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ كِفَايَتَهُ مَعَ الْأَحْمَاءِ لَا مَعَ الضَّرَائِرِ فَلِكُلٍّ مِنْ زَوْجَتَيْهِ مُطَالَبَتُهُ بِبَيْتٍ مِنْ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ.
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُسْكِنَهَا مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحْمَائِهَا كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ فَأَبَتْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلٍ مُنْفَرِدٍ؛ لِأَنَّ إبَاءَهَا دَلِيلُ الْأَذَى وَالضَّرَرِ وَلِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى جِمَاعِهَا وَمُعَاشَرَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ يَتَّفِقُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ ثَالِثٍ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَجَعَلَ لِبَيْتِهَا غَلَقًا عَلَى حِدَةٍ قَالُوا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِآخَرَ. اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ وُجْدَانِ أَحَدٍ فِي الْبَيْتِ لَا فِي الدَّارِ.
(قَوْلُهُ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ) صَوَابُهُ مِنْ أَحْمَاءِ الْمَرْأَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ؛؛ لِأَنَّ أَقَارِبَ الزَّوْجِ أَحْمَاءُ الْمَرْأَةِ وَأَقَارِبَهَا أَحْمَاؤُهُ. اهـ. ح. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ، وَهُوَ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَارَّةِ أَبْعَدُ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ: وَفَرَّقَ فِي الْمُلْتَقَطِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فِي دَارٍ وَأَسْكَنَ كُلًّا فِي بَيْتٍ لَهُ غَلَقٌ عَلَى حِدَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ تُطَالِبَ بِبَيْتٍ فِي دَارٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَفَّرُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّهَا إلَّا إذَا كَانَ لَهَا دَارٌ عَلَى حِدَةٍ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ مَعَ الْأَحْمَاءِ، فَإِنَّ الْمُنَافَرَةَ فِي الضَّرَائِرِ أَوْفَرُ. اهـ.
قُلْت: وَهَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ الْمَذْكُورِ. وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْمُلْتَقَطِ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِيِّ وَكَذَا فِي تَجْنِيسِ الْمُلْتَقَطِ الْمَذْكُورِ لِلْإِمَامِ الْأُسْرُوشَنِيِّ هَكَذَا: أَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ صِهْرَتِهَا، إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ فِي دَارِهِ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَ امْرَأَتَهُ وَأُمَّهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا وَفِي الْبَيْتِ غَيْرُهُمَا؛ وَإِنْ أَسْكَنَ الْأُمَّ فِي بَيْتِ دَارِهِ وَالْمَرْأَةَ فِي بَيْتٍ آخَرَ فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَقُولَ: لَا أَسْكُنُ مَعَ وَالِدَيْكَ وَأَقْرِبَائِك فِي الدَّارِ فَأَفْرِدْ لِي دَارًا.
قَالَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُوسِرَةِ الشَّرِيفَةِ، وَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ أَنَّ إفْرَادَ بَيْتٍ فِي الدَّارِ كَافٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَرْأَةِ الْوَسَطِ اعْتِبَارًا فِي السُّكْنَى بِالْمَعْرُوفِ. اهـ قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْهُورَ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَكْفِيهَا بَيْتٌ لَهُ غَلَقٌ مِنْ دَارٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الدَّارِ ضَرَّتُهَا أَوْ أَحْمَاؤُهَا. وَعَلَى مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَارْتَضَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ لَا يَكْفِي ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَحْمَائِهَا يُؤْذِيهَا، وَكَذَا الضَّرَّةُ بِالْأَوْلَى. وَعَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُلْتَقَطِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَكْفِي مَعَ الْأَحْمَاءِ لَا مَعَ الضَّرَّةِ، وَعَلَى مَا نَقَلْنَا عَنْ مُلْتَقَطِ أَبِي الْقَاسِمِ وَتَجْنِيسِهِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَفِي الشَّرِيفَةِ ذَاتِ الْيَسَارِ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَادِهَا فِي دَارٍ، وَمُتَوَسِّطِ الْحَالِ يَكْفِيهَا بَيْتٌ وَاحِدٌ مِنْ دَارٍ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْإِعْسَارِ يَكْفِيهَا بَيْتٌ وَلَوْ مَعَ أَحْمَائِهَا وَضَرَّتِهَا كَأَكْثَرِ الْأَعْرَابِ وَأَهْلِ الْقُرَى وَفُقَرَاءِ الْمُدُنِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي الْأَحْوَاشِ وَالرُّبُوعِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُوَافِقُ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَسْكَنَ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى - {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦]- وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي زَمَانِنَا هَذَا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الطَّعَامَ وَالْكُسْوَةَ يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَأَهْلُ بِلَادِنَا الشَّامِيَّةِ لَا يَسْكُنُونَ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَجَانِبَ، وَهَذَا فِي أَوْسَاطِهِمْ فَضْلًا عَنْ أَشْرَافِهِمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارًا مَوْرُوثَةً بَيْنَ إخْوَةٍ مَثَلًا، فَيَسْكُنُ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي جِهَةٍ مِنْهَا مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي مَرَافِقِهَا، فَإِذَا تَضَرَّرَتْ زَوْجَةُ أَحَدِهِمْ مِنْ أَحْمَائِهَا أَوْ ضَرَّتِهَا وَأَرَادَ زَوْجُهَا إسْكَانَهَا فِي بَيْتٍ مُنْفَرِدٍ مِنْ دَارٍ لِجَمَاعَةٍ أَجَانِبَ وَفِي الْبَيْتِ مَطْبَخٌ وَخَلَاءٌ يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْعَارِ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِلُزُومِ دَارٍ مِنْ بَابِهَا، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إسْكَانُهَا فِي دَارٍ وَاسِعَةٍ كَدَارِ أَبِيهَا أَوْ كَدَارِهِ الَّتِي هُوَ سَاكِنٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَوْسَاطِ وَالْأَشْرَافِ يَسْكُنُونَ الدَّارَ الصَّغِيرَةَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مِنْ قَوْلِهِ اعْتِبَارًا فِي السُّكْنَى بِالْمَعْرُوفِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute