الْقُهُسْتَانِيُّ لَكِنْ حَرَّرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْحَانُوتِيُّ أَنَّ التَّنَاصُرَ مُنْتَفٍ الْآنَ لِغَلَبَةِ الْحَسَدِ وَالْبُغْضِ وَتَمَنِّي كُلِّ وَاحِدٍ الْمَكْرُوهَ لِصَاحِبِهِ فَتَنَبَّهْ. قُلْت: وَحَيْثُ لَا قَبِيلَةَ وَلَا تَنَاصُرَ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ.
كِتَابُ الْوَصَايَا
يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْإِيصَاءَ يُقَالُ: أَوْصَى إلَى فُلَانٍ أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَالِاسْمُ مِنْهُ الْوِصَايَةُ وَسَيَجِيءُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: الْمَدَارُ عَلَى التَّنَاصُرِ كَمَا ذَكَرُوهُ فَمَتَى وُجِدَ بِطَائِفَةٍ فَهُمْ عَاقِلَتُهُ وَإِلَّا فَلَا ط (قَوْلُهُ لَكِنْ حَرَّرَ إلَخْ) هُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ انْتِظَامِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْوَصَايَا]
إيرَادُهُ آخِرَ الْكِتَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِالْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ لَمَّا أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ الَّذِي وَقْتُهُ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ عِنَايَةٌ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ آخِرٌ نِسْبِيٌّ نَعَمْ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْفَرَائِضَ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَهُ كِتَابَ الْخُنْثَى فَهُوَ نِسْبِيٌّ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ الطُّورِيُّ (قَوْلُهُ يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْإِيصَاءَ إلَخْ) فِي الْمُغْرِبِ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ بِكَذَا إيصَاءً وَوَصَّى بِهِ تَوْصِيَةً وَالْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ اسْمَانِ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً وَالْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ لِوَصَّى وَقِيلَ الْإِيصَاءُ طَلَبُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الظِّهَارِ: «اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّك خَيْرًا» أَيْ اقْبَلِي وَصِيَّتِي فِيهِ، وَانْتِصَابُ خَيْرًا عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ اسْتِيصَاءً خَيْرًا اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَصَّيْت إلَى فُلَانٍ تَوْصِيَةً وَأَوْصَيْت إلَيْهِ إيصَاءً وَالِاسْمُ الْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَأَوْصَيْت إلَيْهِ بِمَالٍ جَعَلْته اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: أَوْصَاهُ وَوَصَّاهُ تَوْصِيَةً عَهِدَ إلَيْهِ وَالِاسْمُ الْوَصَاةُ وَالْوِصَايَةُ وَالْوَصِيَّةُ اهـ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّهُ قَالَ أَوْصَيْته وَوَصَّيْته بِكَذَا وَأَوْصَيْت وَوَصَّيْت لَهُ وَأَوْصَيْت إلَيْهِ جَعَلْته وَصِيًّا. قُلْت: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّغَةِ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي لِنَفْسِهِ أَوْ بِاللَّامِ أَوْ بِإِلَى فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى جَعَلْته وَصِيًّا وَإِنَّ الْمُتَعَدِّيَ بِإِلَى يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَالِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ حَتَّى لَهُمَا، وَأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي بِاللَّامِ وَالْمُتَعَدِّي بِإِلَى اصْطِلَاحِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الدُّرَرِ، وَبِهِ صَرَّحَ الطُّورِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَعْنَى أَوْصَيْت إلَيْهِ عَهِدْت إلَيْهِ بِأَمْرِ أَوْلَادِي مَثَلًا، وَمَعْنَى أَوْصَيْت لَهُ: مَلَّكْت لَهُ كَذَا فَعَدُّوا كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَتَعَدَّى بِهِ مَا تَضَمَّنَا مَعْنَاهُ.
ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ جَمْعَ وَصِيَّةٍ وَصَايَا وَأَصْلُهُ وَصَايِيٌّ فَقُلِبَتْ الْيَاءُ الْأُولَى هَمْزَةً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ أَلِفِ مُفَاعِلَ، ثُمَّ أُبْدِلَتْ كَسْرَتُهَا فَتْحَةً فَانْقَلَبَتْ الْيَاءُ الْأَخِيرَةُ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً لِكَرَاهَةِ وُقُوعِهَا بَيْنَ أَلِفَيْنِ بَقِيَ أَنَّ عُمُومَهُ لِلْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءُ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ جَمْعٌ لَهَا كَمَا لَا يَخْفَى، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَأْتِي اسْمًا مِنْ الْمُتَعَدِّي بِإِلَى وَالْمُتَعَدِّي بِاللَّامِ فَجُمِعَتْ عَلَى وَصَايَا مُرَادًا بِهَا كُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ ذِكْرَ بَابِ الْوَصِيِّ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى سَبِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute