بَابُ التَّحَالُفِ لَمَّا قَدَّمَ يَمِينَ الْوَاحِدِ ذَكَرَ يَمِينَ الِاثْنَيْنِ (اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فِي قَدْرِ ثَمَنٍ) أَوْ وَصْفِهِ أَوْ جِنْسِهِ (أَوْ) فِي قَدْرِ (مَبِيعٍ حُكِمَ لِمَنْ بَرْهَنَ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ (وَإِنْ بَرْهَنَ فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ) إذْ الْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ جَمِيعًا (قُدِّمَ بُرْهَانُ الْبَائِعِ لَوْ) الِاخْتِلَافُ (فِي الثَّمَنِ وَبُرْهَانُ الْمُشْتَرِي لَوْ فِي الْمَبِيعِ) نَظَرًا لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ (وَإِنْ عَجَزَا) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ رَضِيَ كُلٌّ بِمَقَالَةِ الْآخَرِ فِيهَا (وَ) إنْ (لَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ تَحَالَفَا) مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَيَفْسَخُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (وَبُدِئَ بِ) يَمِينِ (الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ الْبَادِئُ بِالْإِنْكَارِ، وَهَذَا (لَوْ) كَانَ (بِيعَ عَيْنٌ بِدَيْنٍ وَإِلَّا)
ــ
[رد المحتار]
جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا لَا يُعْذَرُ بِدَعْوَاهُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْحَقَ الضَّرَرَ بِنَفْسِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ اهـ أَبُو السُّعُودِ.
أَقُولُ: وَأَيْضًا لَوْ كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً صَحِيحَةً لَتَحَيَّلَ لَهُ كُلُّ مَنْ تُوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَيَلْزَمُ مِنْهُ ضَيَاعُ حَقِّ الْمُدَّعِي وَمُخَالَفَةُ نَصِّ الْحَدِيثِ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَتَدَبَّرْ.
[بَابُ التَّحَالُفِ]
ِ (قَوْلُهُ أَوْ وَصْفِهِ) كَالْبُخَارِيِّ وَالْبَغْدَادِيِّ.
(قَوْلُهُ أَوْ جِنْسِهِ) كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ.
(قَوْلُهُ أَوْ فِي قَدْرِ مَبِيعٍ) فَلَوْ فِي وَصْفِهِ فَلَا تَحَالُفَ، وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَالِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ) أَقُولُ: فِي زِيَادَةٍ لَوْ هُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ خَلَلٌ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَوْلَى وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ قَالَهُ شَيْخُ وَالِدِي الْمُفْتِي مُحَمَّدٍ تَاجِ الدِّينِ الْمَدَنِيِّ (قَوْل لَهُ فَإِنْ رَضِيَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَشْمَلُ إلَّا صُورَةَ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ: فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ أَيْ بِأَنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ رَضِيَ كُلٌّ بِقَوْلِ الْآخَرِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: الْعِبَارَةُ فَاسِدَةٌ وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ.
(قَوْلُهُ فَيَفْسَخُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِعَجْزِهَا إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارُ شَرْطٍ لَا يَتَحَالَفَانِ اهـ وَالْبَائِعُ كَالْمُشْتَرِي، فَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَأَنْكَرَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فَلَا، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهَا فَإِنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَخْرِيجًا لَا نَقْلًا اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ دَائِمًا فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْإِطْلَاقِ.
(قَوْلُهُ وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ الْكَمَالِ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْبَادِئُ بِالْإِنْكَارِ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحَالُفِ فِي الثَّمَنِ، أَمَّا فِي الْمَبِيعِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الثَّمَنِ فَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُنْكِرُ فَالظَّاهِرُ الْبُدَاءَةُ بِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ وَإِلَى ذَلِكَ أَوْمَأَ الْقُهُسْتَانِيُّ اهـ وَبَحَثَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute