خِلَافًا لِلثَّانِي (وَنُدِبَ رَدُّهُ) عَلَى الْأَصِيلِ إنْ قَضَى الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ دُرَرٌ (فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) كَحِنْطَةٍ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَنُقُودٍ فَلَا يُنْدَبُ، وَلَوْ رَدَّهُ هَلْ يَطِيبُ لِلْأَصِيلِ؟ الْأَشْبَهُ نَعَمْ وَلَوْ غَنِيًّا عِنَايَةٌ.
(أَمَرَ) الْأَصِيلُ (كَفِيلَهُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ) أَيْ بَيْعِ الْعَيْنِ بِالرِّبْحِ نَسِيئَةً لِيَبِيعَهَا الْمُسْتَقْرِضُ بِأَقَلَّ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ، اخْتَرَعَهُ أَكْلَةُ الرِّبَا، وَهُوَ مَكْرُوهٌ مَذْمُومٌ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ (فَفَعَلَ) الْكَفِيلُ ذَلِكَ (فَالْمَبِيعُ لِلْكَفِيلِ وَ) زِيَادَةُ (الرِّبْحِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَ (لَا) شَيْءَ عَلَى (الْآمِرِ)
ــ
[رد المحتار]
لِلْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ مِلْكِهِ إذَا قَضَاهُ الْمَطْلُوبُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ وَجَبَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْكَفَالَةِ عَلَى الْأَصِيلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ اهـ مُوَضَّحًا مِنْ الْفَتْحِ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ فَعِنْدَهُ يَطِيبُ لَهُ كَمَنْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ وَرَبِحَ فِيهِ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَهُ مِنْ أَصْلٍ خَبِيثٍ وَيَطِيبُ لَهُ عِنْدَهُ مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ رَدُّهُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ: أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ طَابَ لَهُ: أَيْ الرِّبْحُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُؤَدَّى لِلْكَفِيلِ شَيْئًا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّ الْخُبْثَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا يَتَعَيَّنُ كَالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا بِأَنْ كَفَلَ عَنْهُ حِنْطَةً وَأَدَّاهَا الْأَصِيلُ إلَى الْكَفِيلِ وَرَبِحَ الْكَفِيلُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُنْدَبُ رَدُّ الرِّبْحِ إلَى الْأَصِيلِ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ بَلْ يَطِيبُ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.
وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: إنْ قَضَى الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ) أَيْ إنْ قَضَاهُ الْأَصِيلُ لِلطَّالِبِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَابَعَ فِيهَا صَاحِبَ الدُّرَرِ الزَّيْلَعِيُّ، وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الْوَانِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ غَيْرُ لَازِمٍ وَمُوهِمٌ خِلَافَ الْمَقْصُودِ.
قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَوْجِيهِ الْأَصَحِّ: وَلَهُ أَيْ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ تَمَكُّنِ الْخُبْثِ مَعَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بِأَنْ يَقْضِيَهُ بِنَفْسِهِ إلَخْ، فَجَعْلُ إمْكَانِ الِاسْتِرْدَادِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِنَفْسِهِ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْخُبْثِ فِي الرِّبْحِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَيْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ.
(قَوْلُهُ: الْأَشْبَهُ نَعَمْ وَلَوْ غَنِيًّا) الَّذِي فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا الْبَحْرُ وَالنَّهْرُ إنْ كَانَ فَقِيرًا طَابَ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَطِيبَ لَهُ أَيْضًا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ الْأَشْبَهُ نَعَمْ عَنْ قَوْلِهِ وَلَوْ غَنِيًّا؛ لِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ لَا فِي الْفَقِيرِ
[مَطْلَبُ بَيْعِ الْعِينَةِ]
(قَوْلُهُ: أَمَرَ كَفِيلَهُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ السَّلَفُ، يُقَالُ بَاعَهُ بِعِينَةٍ: أَيْ نَسِيئَةً مُغْرِبٌ.:
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَقِيلَ لِهَذَا الْبَيْعِ عِينَةٌ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بَدَلَهَا عَيْنًا أَيْ نَقْدًا حَاضِرًا اهـ، أَيْ قَالَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ اشْتَرِ مِنْ النَّاسِ نَوْعًا مِنْ الْأَقْمِشَةِ ثُمَّ بِعْهُ فَمَا رَبِحَهُ الْبَائِعُ مِنْك وَخَسِرْته أَنْتَ فَعَلَيَّ فَيَأْتِي إلَى تَاجِرٍ فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْقَرْضَ وَيَطْلُبُ التَّاجِرُ مِنْهُ الرِّبْحَ وَيَخَافُ مِنْ الرِّبَا فَيَبِيعُهُ التَّاجِرُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً مَثَلًا بَخَمْسَةَ عَشَرَ نَسِيئَةً فَيَبِيعُهُ هُوَ فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعَشَرَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ أَوْ يُقْرِضُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ثُمَّ يَبِيعُهُ الْمُقْرِضُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشْرَةَ، فَيَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقْرَضَهُ عَلَى أَنَّهَا ثَمَنُ الثَّوْبِ فَيَبْقَى عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَرْضًا دُرَرٌ.:
وَمِنْ صُوَرِهَا أَنْ يَعُودَ الثَّوْبُ إلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ تَحَرُّزًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالرِّبْحِ) أَيْ بِثَمَنٍ زَائِدٍ نَسِيئَةً: أَيْ إلَى أَجَلٍ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ فِي الْعُرْفِ بِالنَّظَرِ إلَى جَانِبِ الْبَائِعِ، فَالْمَعْنَى أَمَرَ كَفِيلَهُ بِأَنْ يُبَاشِرَ عَقْدَ هَذَا الْبَيْعِ مَعَ الْبَائِعِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْعَيْنَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ الْعِينَةِ لَا بِبَيْعِهَا، وَأَمَّا بَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا اشْتَرَاهُ فَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهَا حَالَّةً بِدُونِ رِبْحٍ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ هَذَا