للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ الشِّرْبُ

هُوَ لُغَةً (نَصِيبُ الْمَاءِ) وَشَرْعًا نَوْبَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ سَقْيًا لِلزِّرَاعَةِ وَالدَّوَابِّ

(وَالشَّفَةُ شِرْبُ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ) بِالشِّفَاءِ (وَلِكُلٍّ حَقُّهَا فِي كُلِّ مَاءٍ لَمْ يُحْرَزْ بِإِنَاءٍ) أَوْ حُبٍّ (وَ) لِكُلٍّ (سَقْيُ أَرْضِهِ مِنْ بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ عَظِيمٍ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِحْرَازِ وَلَا إحْرَازَ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ (وَ) لِكُلٍّ (شَقُّ نَهْرٍ لِسَقْيِ أَرْضِهِ مِنْهَا أَوْ لِنَصْبِ الرَّحَى إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُبَاحِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ كَالِانْتِفَاعِ بِشَمْسٍ وَقَمَرٍ

ــ

[رد المحتار]

[فَصْلٌ الشِّرْبُ]

ذَكَرَهُ بَعْدَ الْمَوَاتِ لِاحْتِيَاجِ الْمَوَاتِ إلَيْهِ وَفَصْلٌ بِالتَّنْوِينِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ. وَفِي الْقَامُوسِ الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ الْمَاءُ وَالْحَظُّ مِنْهُ أَوْ الْمَوْرِدُ وَوَقْتُ الشُّرْبِ، وَجَعَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ اسْمَ مَصْدَرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لُغَةً نَصِيبُ الْمَاءِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. صَوَابُهُ مِنْ الْمَاءِ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى مِنْ كَخَاتَمِ حَدِيدٍ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَإِنَّمَا خَالَفَ دَأْبَهُ وَذَكَرَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ دُونَ الشَّرْعِيِّ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُرَادٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا نَوْبَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ) أَيْ وَقْتُهُ وَزَمَانُهُ وَهُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ هُنَا دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَالشَّفَةُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالْأَصْلُ شَفَهٌ أَوْ شُفُوفًا أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَخْفِيفًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ شِرْبُ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ) فَتَكُونُ أَخَصَّ مِنْ الشِّرْبِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْحَيَوَانِ دُونَهُ (قَوْلُهُ بِالشِّفَاهِ) هَذَا أَصْلُهُ، وَالْمُرَادُ اسْتِعْمَالُ بَنِي آدَمَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ أَوْ لِلطَّبْخِ، أَوْ الْوُضُوءِ، أَوْ الْغُسْلِ، أَوْ غَسْلِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الْبَهَائِمِ الِاسْتِعْمَالُ لِلْعَطَشِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَاسِبُهَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ) أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَقُّهَا) أَيْ حَقُّ الشَّفَةِ، وَعَبَّرَ بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ مَاءٍ لَمْ يُحْرَزْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمِيَاهَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.

الْأَوَّلُ: مَاءُ الْبِحَارِ وَلِكُلِّ أَحَدٍ فِيهَا حَقُّ الشَّفَةِ؛ وَسَقْيِ الْأَرَاضِيِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ،

وَالثَّانِي: مَاءُ الْأَوْدِيَةِ الْعِظَامِ كَسِيحُونَ، وَلِلنَّاسِ فِيهِ حَقُّ الشَّفَةِ مُطْلَقًا وَحَقُّ سَقْيِ الْأَرَاضِيِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ.

وَالثَّالِثُ: مَا دَخَلَ فِي الْمَقَاسِمِ أَيْ الْمَجَارِي الْمَمْلُوكَةِ لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَفِيهِ حَقُّ الشَّفَةِ.

وَالرَّابِعُ. الْمُحْرَزُ فِي الْأَوَانِي يَنْقَطِعُ حَقُّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ حَقُّ الشَّفَةِ وَالسَّقْيِ لِأَرْضِهِ وَفِي الثَّالِثِ حَقُّ الشَّفَةِ فَقَطْ وَلَا حَقَّ فِي الرَّابِعِ لِأَحَدٍ. (قَوْلُهُ لَمْ يُحْرَزْ بِإِنَاءٍ) الْأَوْلَى فِي إنَاءٍ، فَلَوْ أَحْرَزَهُ فِي جَرَّةٍ أَوْ حُبٍّ أَوْ حَوْضِ مَسْجِدٍ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ حُصٍّ وَانْقَطَعَ جَرَيَانُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْإِحْرَازِ: أَيْ لَا الْأَخْذِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَأَ الدَّلْوَ مِنْ الْبِئْرِ وَلَمْ يُبْعِدْهُ مِنْ رَأْسِهَا لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذْ الْإِحْرَازُ جَعْلُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعٍ حَصِينٍ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اغْتَرَفَ الْمَاءَ مِنْ حَوْضِ الْحَمَّامِ بِإِنَاءِ الْحَمَّامِيِّ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْحَمَّامِيِّ، لَكِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ حُبٍّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْخَابِيَةُ كَمَا يَأْتِي قَالَ ط: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ الْإِنَاءَ يَعُمُّهُ عَلَى مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ اهـ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجِيمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، لِأَنَّ الْجُبَّ الْبِئْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمَاءُ فِي الْبِئْرِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَيَأْتِي لَكِنْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالصِّهْرِيجِ، فَيَصِحُّ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ كَدِجْلَةَ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ نَهْرُ بَغْدَادَ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالْفُرَاتِ) كَغُرَابٍ نَهْرٌ فِي الْكُوفَةِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِمَا) كَسِيحُونَ وَهُوَ نَهْرُ التُّرْكِ وَجَيْحُونُ نَهْرُ خُوَارِزْمَ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا إحْرَازَ) أَيْ فِي هَذِهِ الْأَنْهَارِ (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ (قَوْلُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْمِيَاهِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) فَإِنْ أَضَرَّ بِأَنْ يَفِيضَ الْمَاءُ وَيُفْسِدَ حُقُوقَ النَّاسِ أَوْ يَنْقَطِعَ الْمَاءُ عَنْ النَّهْرِ الْأَعْظَمِ أَوْ يَمْنَعَ جَرَيَانَ السُّفُنِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا مَنْعُهُ بَزَّازِيَّةٌ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا فِي الْأَنْهَارِ، أَمَّا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ وَإِنْ ضَرَّ وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>