للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الطَّهَارَةِ قُدِّمَتْ الْعِبَادَاتُ عَلَى غَيْرِهَا اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا، وَالصَّلَاةُ تَالِيَةٌ لِلْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةُ مِفْتَاحُهَا بِالنَّصِّ، وَشَرْطٌ بِهَا مُخْتَصٌّ،

ــ

[رد المحتار]

[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

ِ (قَوْلُهُ قُدِّمَتْ الْعِبَادَاتُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ أُمُورِ الدِّينِ عَلَى الِاعْتِقَادَاتِ وَالْآدَابِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَالْأَوَّلَانِ لَيْسَا مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ.

وَالْعِبَادَاتُ خَمْسَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ. وَالْمُعَامَلَاتُ خَمْسَةٌ: الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ، وَالْمُنَاكَحَاتُ، وَالْمُخَاصَمَاتُ، وَالْأَمَانَاتُ، وَالتَّرِكَاتُ. وَالْعُقُوبَاتُ خَمْسَةٌ: الْقِصَاصُ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفِ، وَالرِّدَّةُ.

(قَوْلُهُ: اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا) وَجْهُهُ أَنَّ الْعِبَادَ لَمْ يُخْلَقُوا إلَّا لَهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]-.

(قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ وَجْهِ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: تَالِيَةٌ لِلْإِيمَانِ) أَيْ نَصًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: ٣]- وَكَحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» بَحْرٌ. أَقُولُ: وَفِعْلًا غَالِبًا، فَإِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ بَعْدَ الْإِيمَانِ فِي الْغَالِبِ فِعْلُ الصَّلَاةِ لِسُرْعَةِ أَسْبَابِهَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَوُجُوبًا لِأَنَّ أَوَّلَ مَا وَجَبَ الشَّهَادَتَانِ ثُمَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ، وَفَضْلًا كَمَا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: إنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا، بِدَلِيلِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْإِيمَانِ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» .

(قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ مِفْتَاحُهَا إلَخْ) أَيْ وَمَا كَانَ مِفْتَاحًا لِشَيْءٍ وَشَرْطًا لَهُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ طَبْعًا فَيُقَدَّمُ وَضْعًا.

(قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: الطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ فِيمَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْآلَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا مَجَازٌ مَا يَفْتَحُهَا مَنْ غَلَقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَثَ مَانِعٌ مِنْهَا فَهُوَ كَالْقُفْلِ يُوضَعُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَتَّى إذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّ الْقُفْلُ، وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ بَدِيعَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا النُّبُوَّةُ اهـ مِنْ شَرْحِهِ لِلْعَلْقَمِيِّ.

(قَوْلُهُ: بِهَا مُخْتَصٌّ) الْأَصْلُ فِي لَفْظِ الْخُصُوصِ وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ، أَعْنِي مَا لَهُ الْخَاصَّةُ فَيُقَالُ خُصَّ الْمَالُ بِزَيْدٍ: أَيْ الْمَالُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، لَكِنَّ الشَّائِعَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إدْخَالُهَا لَهَا عَلَى الْمَقْصُورِ أَعْنِي الْخَاصَّةَ كَقَوْلِك: اخْتَصَّ زَيْدٌ بِالْمَالِ، وَمَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَاصَّةَ هِيَ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ دُونَ الصَّلَاةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهَا شَرْطٌ مُخْتَصٌّ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي لَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ تَخْتَصُّ الصَّلَاةُ بِهِ فَافْهَمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا شَرْطُ صِحَّةٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا، وَلَا تَرِدُ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالصَّلَاةِ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ، وَلَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَحَالَةِ الْعُذْرِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>