خَفِيفَ الْعَقْلِ
(أَوْ سَكْرَانَ) وَلَوْ بِنَبِيذٍ أَوْ حَشِيشٍ
ــ
[رد المحتار]
فَفِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ: الْهَزْلُ لُغَةً اللَّعِبُ. وَاصْطِلَاحًا: أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَلَا الْمَجَازِيَّ بَلْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُهُمَا، وَهُوَ مَا لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْهُ. وَضِدُّهُ الْجَدُّ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ خَفِيفَ الْعَقْلِ) فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ: السَّفَهُ فِي اللُّغَةِ، الْخِفَّةُ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ خِفَّةٌ تَبْعَثُ الْإِنْسَانَ عَلَى الْعَمَلِ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ. .
[مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ السَّكْرَانِ وَحُكْمِهِ]
ِ (قَوْلُهُ أَوْ سَكْرَانَ) السُّكْرُ: سُرُورٌ يُزِيلُ الْعَقْلَ فَلَا يَعْرِفُ بِهِ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ. وَقَالَ: بَلْ يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَهْذِي فِي كَلَامِهِ، وَرَجَّحُوا قَوْلَهُمَا فِي الطَّهَارَةِ وَالْأَيْمَانِ وَالْحُدُودِ. وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ: السُّكْرُ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ يَسْتَحْسِنُ مَا يَسْتَقْبِحُهُ النَّاسُ وَبِالْعَكْسِ. لَكِنَّهُ يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ نَهْرٌ. قُلْت: لَكِنْ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ تَعْرِيفَ السُّكْرِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ السُّكْرُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، لِأَنَّهُ لَوْ مَيَّزَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ كَانَ فِي سُكْرِهِ نُقْصَانٌ وَهُوَ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فَيَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ عِنْدَهُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ وَالْهَذَيَانِ كَقَوْلِهِمَا. وَنَقَلَ شَارِحُهُ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ غَالِبُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا، فَلَوْ نَصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسُكْرٍ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ اخْتَلَطَ جَدُّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ، وَمَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، وَتَأَيَّدَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا سَكِرَ هَذَى رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلِضَعْفِ وَجْهِ قَوْلِهِ ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ الضَّعْفِ فَرَاجِعْهُ.
وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُخْتَارَ قَوْلُهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ فَافْهَمْ. وَبَيَّنَ فِي التَّحْرِيرِ حُكْمَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ سُكْرُهُ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ لَا يُبْطِلُ تَكْلِيفَهُ فَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ وَتَصِحُّ عِبَارَتُهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ، وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنْ كُفْءٍ، وَالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ لِأَنَّ الْعَقْلَ قَائِمٌ، وَإِنَّمَا عَرَضَ فَوَاتُ فَهْمِ الْخِطَابِ بِمَعْصِيَتِهِ، فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَيَصِحُّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ لِإِرَادَتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ. وَأَمَّا الْهَازِلُ فَإِنَّمَا كَفَّرَ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهِ لِمَا يَقُولُ بِالِاسْتِخْفَافِ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ (قَوْلُهُ بِنَبِيذٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سُكْرُهُ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لُزُومُ الْحَدِّ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ. اهـ. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْوُقُوعِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّ النَّبِيذَ حَلَالٌ وَالْمُفْتَى بِهِ خِلَافُهُ.
وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْخِلَافَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا شَرِبَهُ لِلتَّدَاوِي فَلَوْ لِلَّهْوِ وَالطَّرِبِ فَيَقَعُ بِالْإِجْمَاعِ مَطْلَبٌ فِي الْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ (قَوْلُهُ وَحَشِيشٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: اتَّفَقَ مَشَايِخُ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِأَكْلِ الْحَشِيشِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَرَقِ الْقُنَّبِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ بَعْدَ أَنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا. فَأَفْتَى الْمُزَنِيّ بِحُرْمَتِهَا وَأَفْتَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute