للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُرُوعٌ]

الِاتِّبَاعُ أَفْضَلُ مِنْ النَّوَافِلِ لَوْ لِقَرَابَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ فِيهِ صَلَاحٌ مَعْرُوفٌ. يُنْدَبُ دَفْنُهُ فِي جِهَةِ مَوْتِهِ وَتَعْجِيلُهُ وَسَتْرُ مَوْضِعِ غُسْلِهِ فَلَا يَرَاهُ إلَّا غَاسِلُهُ وَمَنْ يَعْنِيهِ، وَإِنْ رَأَى بِهِ مَا يُكْرَهُ لَمْ يَجُزْ ذِكْرُهُ، لِحَدِيثِ «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ» .

وَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ قَبْلَ دَفْنِهِ وَبِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ وَبِإِرْثَائِهِ بِشَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ جِنَازَتِهِ، لِحَدِيثِ «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ»

وَبِتَعْزِيَةِ أَهْلِهِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الصَّبْرِ

ــ

[رد المحتار]

كَمَا لَا يُشَقُّ الْحَيُّ مُطْلَقًا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْهَلَاكِ لَا لِمُجَرَّدِ الِاحْتِرَامِ

[فُرُوعٌ فِي الْجَنَائِز]

(قَوْلُهُ: الِاتِّبَاعُ أَفْضَلُ) أَيْ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ بِرُّ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، فَالثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ ط (قَوْلُهُ أَوْ جِوَارٍ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْجَارَ مَنْ لَصِقَ بِهِ. وَقَالَا: مَنْ يَسْكُنُ فِي مَحَلَّتِهِ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. اهـ.

قُلْت: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَهُوَ يُقَيَّدُ هُنَا بِالْمُلَاصِقِ أَيْضًا؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ مَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْإِطْلَاقِ. وَقَدْ يُقَالُ: كَلَامُ الْمُوصِي يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ. وَالْجَارُ عُرْفًا الْمُلَاصِقُ أَوْ مَنْ يَسْكُنُ فِي الْمَحَلَّةِ فَتُصْرَفُ إلَيْهِ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِهِ هُنَا فَيَكُونُ حَدُّهُ إلَى الْأَرْبَعِينَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: يُنْدَبُ دَفْنُهُ فِي جِهَةِ مَوْتِهِ) أَيْ فِي مَقَابِرِ أَهْلِ الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَوْ قُتِلَ، وَإِنْ نُقِلَ قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَلَا بَأْسَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى نَقْلِهِ. قُلْت: وَلِذَا صَحَّ «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ فِي مَضَاجِعِهِمْ» مَعَ أَنَّ مَقْبَرَةَ الْمَدِينَةِ قَرِيبَةٌ، وَلِذَا دُفِنَتْ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ فَتَحُوا دِمَشْقَ عِنْدَ أَبْوَابِهَا وَلَمْ يُدْفَنُوا كُلُّهُمْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَتَعْجِيلُهُ) أَيْ تَعْجِيلُ جِهَازِهِ عَقِبَ تَحَقُّقِ مَوْتِهِ، وَلِذَا كُرِهَ تَأْخِيرُ صَلَاتِهِ وَدَفْنِهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَمْعٌ عَظِيمٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ ذِكْرُهُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ لِيَرْتَدِعَ غَيْرُهُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ

(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ قَبْلَ دَفْنِهِ) قِيلَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَقَيَّدَهُ مُحَمَّدٌ بِقَدْرِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ لِأَنَّ مَقَابِرَ الْبَلَدِ رُبَّمَا بَلَغَتْ هَذِهِ الْمَسَافَةَ فَيُكْرَهُ فِيمَا زَادَ. قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ عِقْدِ الْفَرَائِدِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ وَأَمَّا نَقْلُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ فَلَا مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا، وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ، وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ، فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. وَأَمَّا نَقْلُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَا مَعَ آبَائِهِمَا الْكِرَامِ فَهُوَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَبِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ) أَيْ إعْلَامِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا حَقَّهُ هِدَايَةٌ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَنْوِيهٌ بِذِكْرِهِ وَتَفْخِيمٌ، بَلْ يَقُولُ: الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ، فَإِنَّ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ مَا كَانَ فِيهِ قَصْدُ الدَّوَرَانِ مَعَ الضَّجِيجِ وَالنِّيَاحَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَبِإِرْثَائِهِ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ. وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَفِي الْقَامُوسِ: رَثَيْت الْمَيِّتَ وَرَثَوْته: بَكَيْته وَعَدَّدْت مَحَاسِنَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ مَنْ تَعَزَّى إلَخْ) تَمَامُهُ «فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا» قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: تَعَزَّى وَاعْتَزَى انْتَسَبَ، وَالْعَزَاءُ اسْمٌ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُمْ فِي الِاسْتِغَاثَةِ يَا لِفُلَانٍ أَعِضُّوهُ: أَيْ قُولُوا لَهُ: اعْضَضْ بِأَيْرِ أَبِيك، وَلَا تَكْنُوا عَلَى الْأَيْرِ بِالْهَنِ، وَهَذَا أَمْرُ تَأْدِيبٍ وَمُبَالَغَةٍ فِي الزَّجْرِ عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ اهـ لَكِنْ كَوْنُ الْمُرَادِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ هُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَوْلَى

(قَوْلُهُ: وَبِتَعْزِيَةِ أَهْلِهِ) أَيْ تَصْبِيرِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِهِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَزَاءُ الصَّبْرُ أَوْ حُسْنُهُ. وَتَعَزَّى: انْتَسَبَ. اهـ. فَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ، وَفِيمَا قَبْلَهُ الثَّانِي فَافْهَمْ. قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>