للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرُ السُّلْطَانِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَإِلَّا فَلَا أَشْبَاهٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَفَوَائِدَ شَتَّى، فَلَوْ أَمَرَ قُضَاتَهُ بِتَحْلِيفِ الشُّهُودِ وَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْصَحُوهُ وَيَقُولُوا لَهُ لَا تُكَلِّفْ قُضَاتَك إلَى أَمْرٍ يَلْزَمُ مِنْهُ سُخْطُك أَوْ سُخْطُ الْخَالِقِ تَعَالَى.

قَضَاءُ الْبَاشَا وَكِتَابُهُ إلَى الْقَاضِي جَائِزٌ إنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ مُوَلًّى مِنْ السُّلْطَانِ. الْحَاكِمُ كَالْقَاضِي إلَّا فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً

ــ

[رد المحتار]

لَا تُسْمَعُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ عَنْ الْمَبْسُوطِ إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مِنْ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا اهـ وَفِي جَامِعِ الْفَتْوَى عَنْ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَيْسَ لَهُمَا وَلِيٌّ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمِيرًا جَائِرًا اهـ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْخُلَاصَةِ لَا تُسْمَعُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً اهـ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَنْعِ السُّلْطَانِيِّ بَلْ هُوَ مَنْعٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ وَإِنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِسَمَاعِهَا. مَطْلَبُ بَاعَ عَقَارًا وَأَحَدُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.

الثَّامِنُ: سَمَاعُ الدَّعْوَى قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَحْدُودَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا، لِمَا سَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ وَامْرَأَتُهُ أَوْ أَحَدُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ ادَّعَى ابْنُهُ مَثَلًا أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَجُعِلَ سُكُوتُهُ كَالْإِفْصَاحِ قَطْعًا لِلتَّزْوِيرِ وَالْحِيَلِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ سُكُوتَهُ وَلَوْ جَارًا لَا يَكُونُ رِضًا إلَّا إذَا سَكَتَ الْجَارُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ اهـ. وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى، فَقَدْ جَعَلُوا مُجَرَّدَ سُكُوتِ الْقَرِيبِ أَوْ الزَّوْجَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ بِلَا تَقْيِيدٍ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَأَمَّا دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا فَلَا بُدَّ فِي مَنْعِهَا مِنْ السُّكُوتِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمُدَّةٍ، وَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوَاهُ فِيمَنْ لَهُ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ هَدْمًا وَعِمَارَةً مَعَ اطِّلَاعِ جَارِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْجَارِ عَلَيْهِ الْبَيْتَ أَوْ بَعْضَهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَانْظُرْهُ هُنَاكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.

[مَطْلَبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ]

(قَوْلُهُ: أَمْرُ السُّلْطَانِ إنَّمَا يَنْفُذُ) أَيْ يُتَّبَعُ وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَمَرَك قَاضٍ بِقَطْعٍ أَوْ رَجْمٍ إلَخْ التَّعْلِيلُ بِوُجُوبِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ نَاقِلًا عَنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَاجِبَةٌ فَلَوْ أَمَرَ بِصَوْمٍ وَجَبَ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ حَكَمَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ يَنْفُذُ فِي الْأَصَحِّ وَبِهِ يُفْتَى.

(قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْهُ سُخْطُك) أَيْ إنْ عَصَوْك وَسُخْطُ الْخَالِقِ أَيْ إنْ أَطَاعُوك اهـ ح عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَفِي سُخْطٍ ضَمُّ الْمُهْمَلَةِ مَعَ سُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهِمَا، وَنُقِلَ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ جَوَازُ التَّحْلِيفِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا رَآهُ الْقَاضِي جَائِزًا أَيْ بِأَنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ.

أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فَلَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّأْيِ الِاجْتِهَادُ.

(وَقَوْلُهُ: قَضَاءُ الْبَاشَا إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ.

(قَوْلُهُ: الْحَاكِمُ كَالْقَاضِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُحَكَّمُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً) سَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ التَّحْكِيمِ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ عَدَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>