(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) وَهُوَ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى
(مَنْ قَصَدَهُ) وَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِهِ يُفْتَى (وَهُوَ مَعْصُومٌ عَلَى) شَخْصٍ (مَعْصُومٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا، فَلَوْ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ فَلَا حَدَّ (فَأُخِذَ قَبْلَ أَخْذِ شَيْءٍ وَقَتْلِ) نَفْسٍ (حُبِسَ)
ــ
[رد المحتار]
[بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ]
ِ أَيْ قَطْعِ الْمَارَّةِ عَنْ الطَّرِيقِ فَهُوَ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمَارَّةُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ أَوْ الْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَى فِي: أَيْ قَطْعٌ فِي الطَّرِيقِ: أَيْ مَنْعُ النَّاسِ الْمُرُورَ فِيهِ، أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَرِقَةً مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهَا الْأَخْذُ خُفْيَةً عَنْ النَّاسِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُهَا مَجَازًا لِضَرْبٍ مِنْ الْإِخْفَاءِ وَهُوَ الْإِخْفَاءُ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَصَّبَهُمْ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ، وَلِذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُهَا إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْكُبْرَى وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَسُمِّيَتْ كُبْرَى لِعِظَمِ ضَرَرِهَا لِكَوْنِهِ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِعِظَمِ جَزَائِهَا (قَوْلُهُ مَنْ قَصَدَهُ) أَيْ قَصَدَ قَطْعَ الطَّرِيقِ، وَعَبَّرَ بِمَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاطِعِ جَمَاعَةً، فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ وَاحِدًا لَهُ مَنَعَةٌ بِقُوَّتِهِ وَنَجْدَتِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْفَتْحِ، وَشَمِلَ الْعَبْدَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُصْلَبُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا) أَيْ بِسِلَاحٍ أَوْ بِدُونِهِ وَكَذَا نَهَارًا لَوْ بِسِلَاحٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَفْتَى بِهَا الْمَشَايِخُ دَفْعًا لِشَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُفْسِدِينَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ.
أَمَّا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَحْرَاءِ دَارِنَا عَلَى مَسَافَةِ السَّفَرِ فَصَاعِدًا دُونَ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَلَا مَا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى تُجَّارٍ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ عَسْكَرُ الْخَوَارِجِ ثُمَّ أَتَى بِهِمْ الْإِمَامُ لَمْ يُمْضِ الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْصُومٌ) أَيْ بِالْعِصْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ قُهُسْتَانِيٌّ. وَالْعِصْمَةُ: الْحِفْظُ، وَالْمُرَادُ عِصْمَةُ دَمِهِ وَمَالِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ عَقْدِ الذِّمَّةِ. وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبُو السُّعُودِ: مُفَادُهُ لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ مُسْتَأْمَنٌ لَا يُحَدُّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالشَّرَائِعِ. وَحَكَى فِي الْمُحِيطِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِيهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ فَلَا حَدَّ) لَكِنْ يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ بِاعْتِبَارِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ وَإِخْفَارِهِ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ فَتْحٌ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِثُبُوتِ عِصْمَةِ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ حَالًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحَدِّ بِالْقَطْعِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فِيمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا، أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَافِلَةِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً، بِخِلَافِ اخْتِلَاطِ ذِي الرَّحِمِ بِالْقَافِلَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ لَمْ يَقَعْ الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ إلَّا فِي الْمُسْتَأْمَنِ فَلَا حَدَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا.
[تَنْبِيهٌ] قَدْ عُلِمَ مِنْ شُرُوطِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَوْنُهُ مِمَّنْ لَهُ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ، وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْعَدْلِ، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ وَلَوْ نَهَارًا إنْ كَانَ بِسِلَاحٍ، وَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ مَعْصُومًا، وَمِنْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي كَوْنُ الْقُطَّاعِ كُلِّهِمْ أَجَانِبَ لِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ، وَكَوْنُهُمْ عُقَلَاءَ بَالِغِينَ نَاطِقِينَ، وَأَنْ يُصِيبَ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابٌ تَامٌّ مِنْ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ، وَأَنْ يُؤْخَذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَطْعَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَرَّتَيْنِ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِرُجُوعِهِ لَكِنْ يُؤْخَذُ بِالْمَالِ إنْ أَقَرَّ بِهِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِمُعَايَنَتِهِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ، فَلَوْ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ وَالْآخَرِ بِالْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ؛ وَلَوْ قَالَا قَطَعُوا عَلَيْنَا وَعَلَى أَصْحَابِنَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِأَنْفُسِهِمَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ وَلَهُ وَلِيٌّ يُعْرَفُ أَوْ لَا يُعْرَفُ لَا يَحُدُّهُمْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ حُبِسَ) وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute