لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فَيَقَعُ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ:
وَمَا لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ ... وَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لَهُ لَيْسَ يُنْكَرُ
وَفِي مُعَايَاتِهَا:
وَأَيُّ شِيَاهٍ دُونَ ذَبْحٍ يُحِلُّهَا ... وَأَيُّ الْمَسَاقِي وَالْمَزَارِعِ يُكْفِرُ
كِتَابُ الذَّبَائِحِ مُنَاسَبَتُهَا لِلْمُزَارَعَةِ كَوْنُهُمَا إتْلَافًا فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ بِالنَّبَاتِ وَاللَّحْمِ فِي الْمَآلِ. الذَّبِيحَةُ اسْمُ مَا يُذْبَحُ كَالذِّبْحِ بِالْكَسْرِ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ.
ــ
[رد المحتار]
لِفَهْمِي الْقَاصِرِ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ إلَخْ) هَذَا يُوَضِّحُ لَك مَا أَرَدْنَاهُ عَلَى الْحِيلَةِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ فَيَقَعُ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ) أَيْ أَصَالَةً وَلِغَيْرِهِ تَبَعًا ط (قَوْلُهُ وَمَا لِلْمُسَاقِي إلَخْ) فَلَوْ سَاقَى بِلَا إذْنٍ فَالْخَارِجُ لِلْمَالِكِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: دَفَعَ إلَيْهِ مُعَامَلَةً وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَدَفَعَ إلَى آخَرَ فَالْخَارِجُ لِمَالِكِ النَّخِيلِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا أَجْرَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الدَّفْعَ، إذْ هُوَ إيجَابُ الشَّرِكَةِ فِي مَالِ الْغَيْرِ، وَعَمَلُ الثَّانِي غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَلَوْ هَلَكَ الثَّمَرُ فِي يَدِ الْعَامِلِ الثَّانِي بِلَا عَمَلِهِ وَهُوَ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ فِي أَمْرٍ يُخَالِفُ فِيهِ أَمْرَ الْأَوَّلِ يَضْمَنُ لِصَاحِبِ النَّخِيلِ الْعَامِلُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ، وَإِنْ هَلَكَ مِنْ عَمَلِهِ فِي أَمْرٍ لَمْ يُخَالِفْ أَمْرَ الْأَوَّلِ فَلِرَبِّ النَّخِيلِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيًّا شَاءَ، وَلِلْأَخِيرِ إنْ ضَمِنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَوَّلِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَنَقَلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ خَفِيَ عَلَى كَثِيرِينَ.
بَقِيَ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْمُزَارِعِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، فَلَيْسَ لِلْمُزَارِعِ دَفْعُهَا مُزَارَعَةً إلَّا بِإِذْنٍ وَلَوْ دَلَالَةً لِأَنَّ فِيهِ اشْتِرَاكُ غَيْرِهِ فِي مَالِ رَبِّ الْأَرْضِ بِلَا رِضَاهُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُزَارِعِ فَلَهُ الدَّفْعُ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُ يُشْرِكُ غَيْرَهُ فِي مَالِهِ، وَتَفَاصِيلُ الْمَسْأَلَةِ طَوِيلَةٌ فَلْتُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَأَيُّ شِيَاهٍ إلَخْ) هِيَ الشَّاةُ الَّتِي نَدَّتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا يَكْفِي فِيهَا الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَكَان مَعَ التَّسْمِيَةِ كَالصَّيْدِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَفْرِ السَّتْرُ، سُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَبَّ فَكُلُّ مُزَارِعٍ وَمُسَاقٍ إذَا بَذَرَ يَكْفُرُ أَيْ يَسْتُرُ شُرُنْبُلَالِيٌّ، وَفِي كَوْنِ الْمُسَاقِي يَسْتُرُ نَظَرٌ، فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]
ِ (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهَا لِلْمُزَارَعَةِ إلَخْ) كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُبَيَّنَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الذَّبَائِحِ وَالْمُسَاقَاةِ لِذِكْرِهَا بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ، وَيَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إصْلَاحُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْأَكْلِ فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ فِي الْمَآلِ اهـ.
أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ مُتَّحِدَةً مَعَ الْمُزَارَعَةِ شُرُوطًا وَحُكْمًا وَخِلَافًا كَمَا مَرَّ، وَذُكِرَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ النُّتَفِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ مِنْ الْمُزَارَعَةِ تَسَامَحُوا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ إتْلَافًا فِي الْحَالِ) لِأَنَّ فِيهِمَا إلْقَاءَ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَاسْتِهْلَاكَهُ فِيهَا وَإِزْهَاقَ رُوحِ الْحَيَوَانِ وَتَخْرِيبَ بِنْيَتِهِ، لَكِنَّ هَذَا الْإِتْلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ إصْلَاحٌ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ الذَّبِيحَةُ اسْمُ مَا يُذْبَحُ) فَالْإِطْلَاقُ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ (قَوْلُهُ كَالذِّبْحِ بِالْكَسْرِ) فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى - {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧]- (قَوْلُهُ وَأَمَّا بِالْفَتْحِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَأَمَّا الْفَتْحُ، وَالْمُرَادُ الْمَفْتُوحُ (قَوْلُهُ فَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ كَمَا يَأْتِي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute