(وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَلَوْ وَطِئَ لَا عُقْرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُبَاحٌ (لَكِنْ تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا) تَنْزِيهًا (إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الرَّجْعَةُ وَإِلَّا لَا) تُكْرَهُ (وَيَثْبُتُ الْقَسْمُ لَهَا إنْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ وَإِلَّا لَا) قَسْمَ لَهَا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. قَالَ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّ لَهُ ضَرْبَ امْرَأَتِهِ عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا.
(وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا بِالْإِجْمَاعِ) وَمُنِعَ غَيْرُهُ فِيهَا لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ (لَا) يَنْكِحُ (مُطَلَّقَةً) مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ نَافِذٍ
ــ
[رد المحتار]
وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْبِيلَ بِشَهْوَةٍ وَنَحْوَهُ يَكُونُ نَفْسُهُ رَجْعَةً وَإِنْ نَادَى عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ الرَّجْعَةِ. وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ اهـ أَيْ فَإِنَّ التَّقْبِيلَ حَلَالٌ فَيَكُونُ رَجْعَةً وَالْمُسَافَرَةَ حَرَامٌ فَلَا تَكُونُ رَجْعَةً وَلَا دَلَالَةً عَلَيْهَا مَعَ التَّصْرِيحِ بِعَدَمِهَا. فَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ لَا بَحْثٌ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) مَبْنَى الْخِلَافِ هُوَ أَنَّ الرَّجْعَةَ عِنْدَنَا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ. وَعِنْدَهُ اسْتِحْدَاثُ الْحِلِّ الزَّائِلِ، فَيَحِلُّ عِنْدَنَا لِقِيَامِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُبَاحٌ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ وَالْمُبَاحُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الشَّارِعِ تَخْيِيرًا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ عَلَى السَّوَاءِ، وَالْمَكْرُوهُ - وَلَوْ تَنْزِيهًا - رَاجِحُ التَّرْكِ فَلَا يَكُونُ مُبَاحًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ فَإِنَّ الْجَائِزَ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يَحْرُمُ شَرْعًا وَلَوْ وَاجِبًا، أَوْ مَكْرُوهًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا) الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَدْرَكٌ فَإِنَّ الْوَطْءَ مِثْلُهَا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّ الْخَلْوَةَ رُبَّمَا أَدَّتْ إلَى الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا فَيُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ الْقَسْمُ لَهَا إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً وَلِذَا اُسْتُحِبَّ مُرَاجَعَتُهَا بِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْقَسْمُ لِأَجْلِ الِاسْتِئْنَاسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ لَا يَثْبُتُ الْقَسْمُ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهَا رُبَّمَا أَدَّى إلَى الْخَلْوَةِ فَيَلْزَمُ مَا مَرَّ ط.
[مَطْلَبٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمُبَانَةِ]
(قَوْلُهُ: وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ) لَمَّا ذَكَرَ مَا يُتَدَارَكُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ذَكَرَ مَا يُتَدَارَكُ بِهِ غَيْرُهُ فَتْحٌ وَلِذَا عَقَدَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا فَصْلًا (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥] يَعْنِي انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ عَامٌّ، فَكَيْفَ جَازَ لِلزَّوْجِ تَزَوُّجُهَا فِي الْعِدَّةِ وَالنَّصُّ بِعُمُومِهِ يَمْنَعُهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ الْعِدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَمُنِعَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ بِالْعُلُوقِ، فَإِنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي، وَهَذَا حِكْمَةُ شَرْعِيَّةِ الْعِدَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ بِذِكْرِهَا هُنَا بَيَانُ عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ تَحْصِيصِ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بَيَانُ عِلَّتِهِ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمُعْتَدَّةُ الصَّبِيِّ وَالْحَيْضَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فَإِنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ فِي الْمُدَّةِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ إظْهَارُ خَطَرِ الْمَحَلِّ أَوْ هُوَ حُكْمٌ تَعَبُّدِيٌّ، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْكِحُ مُطَلَّقَةً) تَقْدِيرُهُ لَفْظَ " يَنْكِحُ " هُوَ مُقْتَضَى الْعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَلَا يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِالْعَقْدِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ قَالَ لَا تَحِلُّ كَمَا فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لَشَمِلَ كُلًّا مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ نَافِذٍ) احْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ الْفَاسِدِ، وَهُوَ مَا عَدِمَ بَعْضَ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَكَوْنِهِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الْوَطْءِ. وَبَعْدَهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالطَّلَاقُ فِيهِ لَا يَنْقُصُ عَدَدًا لِأَنَّهُ مُتَارَكَةٌ فَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَهُ تَزَوُّجُهَا بِلَا مُحَلِّلٍ كَمَا تَقَدَّمَ آخِرَ بَابِ الصَّرِيحِ، وَاحْتَرَزَ بِالنَّافِذِ عَنْ الْمَوْقُوفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute