وَفِيهَا أَيْضًا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي النَّوَازِلِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ. اهـ. .
[مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ]
(وَكُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ إلَّا) جَمَاعَةٌ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَ (الْكَافِرُ بِسَبِّ نَبِيٍّ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا
ــ
[رد المحتار]
قَبُولَهَا فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِلْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْكَافِرَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَابْتَدَأَ إيمَانًا وَعِرْفَانًا، وَالْفَاسِقُ حَالُهُ حَالَةُ الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا مُطْلَقًا قَوْله تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: ٢٥]- اهـ وَقَدْ أَطَالَ فِي آخِرِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَعَزَاهُ أَيْضًا إلَى الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَانْتَصَرَ لَهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ [بَدْءِ الْأَمَالِي] وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ. مَطْلَبٌ أَجْمَعُوا عَلَى كُفْرِ فِرْعَوْنَ وَأَمَّا إيمَانُ الْيَأْسِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ، وَلَا عِنْدَ مُعَايَنَةِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٥]- وَلِذَا أَجْمَعُوا عَلَى كُفْرِ فِرْعَوْنَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي كِتَابِهِ الْفُتُوحَاتِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ: فَإِنَّا وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ جَلَالَةَ قَائِلِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ لَيْسَتْ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّ فِرْعَوْنَ مَعَ هَامَانَ وَقَارُونَ فِي النَّارِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ كَلَامُ إمَامٍ فَيُؤْخَذُ بِمَا يُوَافِقُ الْأَدِلَّةَ الظَّاهِرَةَ وَيُعْرِضُ عَمَّا خَالَفَهَا ثُمَّ أَطَالَ فِي بَيَانِ رَدِّهِ. مَطْلَبٌ فِي اسْتِثْنَاءِ قَوْمِ يُونُسَ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ إيمَانِ الْيَأْسِ قَوْمُ يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِلا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس: ٩٨]- الْآيَةُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، وَأَنَّ إيمَانَهُمْ كَانَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ بِجَعْلِهِ كَرَامَةً وَخُصُوصِيَّةً لِنَبِيِّهِمْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. مَطْلَبٌ فِي إحْيَاءِ أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاةِ أَبَوَيْهِ لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ كَمَا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ حَافِظُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمَا، فَانْتَفَعَا بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ إكْرَامًا لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَحْيَا قَتِيلَ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيُخْبِرَ بِقَاتِلِهِ. وَكَانَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُحْيِي الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمَوْتَى. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّمْسَ بَعْدَ مَغِيبِهَا حَتَّى صَلَّى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْعَصْرَ، فَكَمَا أُكْرِمَ بِعَوْدِ الشَّمْسِ وَالْوَقْتِ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَكَذَلِكَ أُكْرِمَ بِعَوْدِ الْحَيَاةِ وَوَقْتِ الْإِيمَانِ بَعْدَ فَوَاتِهِ. وَمَا قِيلَ إنَّ قَوْله تَعَالَى - {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: ١١٩]- نَزَلَ فِيهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَبِي وَأَبُوكَ فِي النَّارِ» " كَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا أَيْضًا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ إلَخْ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَسَيَذْكُرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ إلَخْ
(قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْبَلْخِيِّ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا خِلَافُهُ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ سَابِّ الْأَنْبِيَاءِ (قَوْلُهُ الْكَافِرُ بِسَبِّ نَبِيٍّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْكَافِرُ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا) يَعْنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute