بَابُ التَّدْبِيرِ
(هُوَ) لُغَةً الْإِعْتَاقُ عَنْ دُبُرٍ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ: وَشَرْعًا (تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ) وَلَوْ مَعْنًى كَإِنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ كَمَا سَيَجِيءُ؛ وَبِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ أَصْلًا بَلْ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ (كَإِذَا) أَوْ مَتَى أَوْ إنْ (مِتّ) أَوْ هَلَكْت أَوْ حَدَثَ بِي حَادِثٌ (فَأَنْتَ حُرٌّ) أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ (أَوْ أَنْتِ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ دَبْرَتك) زَادَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ لَا (أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ) أُرِيدُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ لِقِرَانِهِ بِمَا لَا يَمْتَدُّ، فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ صَحَّ وَكَانَ مُقَيَّدًا (أَوْ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ) مَثَلًا (وَغَلَبَ مَوْتُهُ قَبْلَهَا) هُوَ الْمُخْتَارُ
ــ
[رد المحتار]
[بَابُ التَّدْبِيرِ]
ِ شُرُوعٌ فِي الْعِتْقِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوَاقِعِ فِي الْحَيَاةِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ لِشُمُولِهِ الذَّكَرَ أَيْضًا وَرُكْنُهُ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى مَعْنَاهُ. وَشَرَائِطُهُ نَوْعَانِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ. فَالْعَامُّ مَا مَرَّ فِي شَرَائِطِ الْعِتْقِ كَوْنُهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا إلَى الْوَقْتِ أَوْ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ. وَالْخَاصُّ تَعْلِيقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي. وَصِفَتُهُ التَّجَزُّؤُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، فَلَوْ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ وَلِلْآخَرِ عِنْدَ يَسَارِ شَرِيكِهِ سِتُّ خِيَارَاتٍ الْخَمْسَةُ الْمَارَّةُ وَالتَّرْكُ عَلَى حَالِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَحْكَامِهِ، مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِهِ عَنْ الْمِلْكِ، وَمِنْ عِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إلَخْ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً إلَخْ) يَشْمَلُ تَعْلِيقَهُ بِمَوْتِهِ مُقَيَّدًا وَبِمَوْتِ غَيْرِهِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَفِيهِ بَيَانُ وَجْهِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنَّ الدُّبُرَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ بِضَمَّتَيْنِ وَيُخَفَّفُ: خِلَافُ الْقُبُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِآخَرِ الْأَمْرِ دُبُرٌ، وَأَصْلُهُ مَا أَدْبَرَ عَنْهُ الْإِنْسَانُ وَمِنْهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْ دُبُرٍ: أَيْ بَعْدَ دُبُرٍ. وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: التَّدْبِيرُ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَتَدْبِيرُ الْأَمْرِ النَّظَرُ فِيهِ إلَى مَا تَصِيرُ إلَيْهِ الْعَاقِبَةُ. وَقَصَرَ فِي الدُّرَرِ تَفْسِيرَهُ لُغَةً عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ وَقَالَ كَأَنَّ الْمَوْلَى نَظَرَ إلَى عَاقِبَةِ أَمْرِهِ فَأَخْرَجَ عَبْدَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَهُ. ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ شَرْعًا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ: أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى أَوْ غَيْرِهِ، فَمَا مَرَّ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ جَعَلَهُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ.
وَرُدَّ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ عَامَّةِ أَئِمَّتِنَا حَيْثُ قَصَرُوهُ شَرْعًا عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلِذَا خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مَعَ كَثْرَةِ مُتَابَعَتِهِمَا لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعْنًى) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُنَا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مِنْ التَّعْلِيقِ، وَالتَّعْلِيقُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَمَتِهِ وَأَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مِنْ مُطْلَقٍ، وَالْمُطْلَقُ مَعْنًى كَإِنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْمُخْتَارِ. اهـ. وَتَمْثِيلُ الشَّارِحِ لِلثَّانِي فَقَطْ يُوهِمُ قَصْرَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الدُّرَرِ كَمَا مَرَّ، وَمِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ فُلَانٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا أَنْتِ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.
(قَوْلُهُ أَصْلًا) أَيْ لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا، خِلَافًا لِمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ أَوْ حَدَثَ بِي حَادِثٌ) ؛ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ الْحَدَثُ وَالْحَادِثُ فِي الْمَوْتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ زَادَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ لَا) أَيْ يَصِيرُ مُدَبَّرًا السَّاعَةَ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ، فَيَلْغُو قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ يُجْعَلُ قَوْلُهُ أَنْتَ مُدَبَّرٌ بِمَعْنَى أَنْتَ حُرٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ) لَا فَرْقَ فِي الْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَوْتِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ آخَرَ أَوْ لَا، فَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ صَارَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْكَلَامِ صَارَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِك فُلَانًا وَبَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ فُلَانٌ كَانَ مُدَبَّرًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا فَرْقَ فِي التَّدْبِيرِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُنْجَزًا أَوْ مُضَافًا كَأَنْتَ مُدَبَّرٌ غَدًا أَوْ رَأْسَ شَهْرٍ كَذَا فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ صَارَ مُدَبَّرَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ صَحَّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَكَانَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مَوْتُهُ بِالنَّهَارِ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَغَلَبَ مَوْتُهُ قَبْلَهَا) بِأَنْ كَانَ كَبِيرَ السِّنِّ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute