للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي طَرِيقٍ ظَنَّ أَنَّهُ مُحْدِثٌ حَتَّى إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى قَبْرِهِ إلَّا بِوَطْءِ قَبْرٍ تَرَكَهُ.

لَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ لَيْلًا وَلَا إجْلَاسُ الْقَارِئِينَ عِنْدَ الْقَبْرِ

ــ

[رد المحتار]

(قَوْلُهُ يُكْرَهُ الْمَشْيُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ، وَوَطْؤُهُ، وَحِينَئِذٍ فَمَا يَصْنَعُهُ مَنْ دُفِنَتْ حَوْلَ أَقَارِبِهِ خَلْقٌ مِنْ وَطْءِ تِلْكَ الْقُبُورِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى قَبْرِ قَرِيبِهِ مَكْرُوهٌ. وَيُكْرَهُ النَّوْمُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ بَلْ أَوْلَى، وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا لَيْسَ إلَّا زِيَارَتُهَا وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا اهـ.

قُلْت: وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ وَجَدَ طَرِيقًا إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ مُحْدِثٌ لَا يَمْشِي عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُوطَأُ الْقَبْرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُزَارُ مِنْ بَعِيدٍ وَلَا يَقْعُدُ، وَإِنْ فَعَلَ يُكْرَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَطَأَ الْقُبُورَ وَهُوَ يَقْرَأُ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يَدْعُو لَهُمْ. اهـ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِغَيْرِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْآثَارِ، وَأَنَّهُ قَالَ إنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، ثُمَّ نَازَعَهُ بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ وَطْءَ الْقَبْرِ وَالْقُعُودَ أَوْ النَّوْمَ أَوْ قَضَاءَ الْحَاجَةِ عَلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ وَطْئِهِ وَالْمَشْيِ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا. وَقَيَّدَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ كَرَاهَةَ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ قِرَاءَةٍ.

قُلْت: وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ، وَصَارَ تُرَابًا يَجُوزُ زَرْعُهُ، وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ الْمَشْيِ فَوْقَهُ. ثُمَّ رَأَيْت الْعَيْنِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ الْمَارَّ، ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ أَنَّ وَطْءَ الْقُبُورِ حَرَامٌ وَكَذَا النَّوْمُ عَلَيْهَا لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَلَا سِيَّمَا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى.

قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِهِمْ التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ لَا بِلَفْظِ الْحُرْمَةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ مَا عَزَاهُ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ مِنْ حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ يُرَادُ بِهِ نَهْيُ التَّحْرِيمِ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْوَطْءِ وَالْقُعُودِ إلَخْ يُرَادُ بِهِ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ فِي غَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَغَايَةُ مَا فِيهِ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَكْرُوهَاتُ الصَّلَاةِ، وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ الْجُلُوسُ لِلْقِرَاءَةِ كَمَا يَأْتِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[مطلب فِي وَضَعَ الجريد ونحو الآس عَلَى الْقُبُور]

[تَتِمَّةٌ قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ دُونَ الْيَابِسِ] ١

مَطْلَبٌ فِي وَضْعِ الْجَرِيدِ وَنَحْوِ الْآسِ عَلَى الْقُبُورِ

[تَتِمَّةٌ] يُكْرَهُ أَيْضًا قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ دُونَ الْيَابِسِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ مَا دَامَ رَطْبًا يُسَبِّحُ اللَّهَ - تَعَالَى - فَيُؤْنِسُ الْمَيِّتَ وَتَنْزِلُ بِذِكْرِهِ الرَّحْمَةُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ.

أَقُولُ: وَدَلِيلُهُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مِنْ وَضْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْجَرِيدَةَ الْخَضْرَاءَ بَعْدَ شَقِّهَا نِصْفَيْنِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يُعَذَّبَانِ» . وَتَعْلِيلُهُ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا: أَيْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا بِبَرَكَةِ تَسْبِيحِهِمَا؛ إذْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْ تَسْبِيحِ الْيَابِسِ لِمَا فِي الْأَخْضَرِ مِنْ نَوْعِ حَيَاةٍ؛ وَعَلَيْهِ فَكَرَاهَةُ قَطْعِ ذَلِكَ، وَإِنْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَمْلِكْ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ الْمَيِّتِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْحَدِيثِ نَدْبُ وَضْعِ ذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا اُعْتِيدَ فِي زَمَانِنَا مِنْ وَضْعِ أَغْصَانِ الْآسِ وَنَحْوِهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَنَّ التَّخْفِيفَ عَنْ الْقَبْرَيْنِ إنَّمَا حَصَلَ بِبَرَكَةِ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دُعَائِهِ لَهُمَا فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحُصَيْبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِأَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ لَيْلًا) وَالْمُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ نَهَارًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا إجْلَاسُ الْقَارِئِينَ عِنْدَ الْقَبْرِ) عِبَارَةُ نُورِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>