وَهُوَ الْمُخْتَارُ. عَظْمُ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَمٌ.
إنَّمَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ.
كُتِبَ عَلَى جَبْهَةِ الْمَيِّتِ أَوْ عِمَامَتِهِ أَوْ كَفَنِهِ عَهْدُ نَامَهْ يُرْجَى أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِلْمَيِّتِ. أَوْصَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُكْتَبَ فِي جَبْهَتِهِ وَصَدْرِهِ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم - فَفُعِلَ ثُمَّ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَسُئِلَ فَقَالَ: لَمَّا وُضِعْت فِي الْقَبْرِ جَاءَتْنِي مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَلَمَّا رَأَوْا مَكْتُوبًا عَلَى جَبْهَتِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالُوا: أَمِنْت مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
ــ
[رد المحتار]
وَلَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْمُخْتَارِ لِتَأْدِيَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ بِالسَّكِينَةِ وَالتَّدَبُّرِ وَالِاتِّعَاظِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَظْمُ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَمٌ) فَلَا يُكْسَرُ إذَا وُجِدَ فِي قَبْرِهِ لِأَنَّهُ كَمَا حُرِّمَ إيذَاؤُهُ فِي حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَجَبَتْ صِيَانَةُ نَفْسِهِ عَنْ الْكَسْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ خَانِيَّةٌ. وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى نَبْشِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ، فَتُنْبَشُ وَتُرْفَعُ الْعِظَامُ وَالْآثَارُ، وَتُتَّخَذُ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ مَسْجِدًا كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ إسْمَاعِيلُ
(قَوْلُهُ إنَّمَا يُعَذَّبُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: يُعَذَّبُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: لَا {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يُوصُونَ بِالنُّوحِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحَدِيثِ النَّدْبُ وَالنِّيَاحَةُ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ لَمَّا مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَبْكُونَ عَلَى يَهُودِيٍّ فَقَالَ: إنَّهُ لَيُعَذَّبُ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ» . اهـ. إسْمَاعِيلُ
(قَوْلُهُ عَهْدَ نَامَهْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ الرِّسَالَةُ، وَالْمَعْنَى رِسَالَةُ الْعَهْدِ. وَالْمَعْنَى أَنْ يُكْتَبَ شَيْءٌ مِمَّا يَدُلُّ أَنَّهُ عَلَى الْعَهْدِ الْأَزَلِيِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّبَرُّكِ بِأَسْمَائِهِ - تَعَالَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ ح (قَوْلُهُ: يُرْجَى إلَخْ) مُفَادُهُ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ الصَّفَّارُ لَوْ كُتِبَ عَلَى جَبْهَةِ الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى عِمَامَتِهِ أَوْ كَفَنِهِ عَهْدُ نَامَهْ يُرْجَى أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْمَيِّتِ وَيَجْعَلَهُ آمِنًا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ نُصَيْرٌ: هَذِهِ رِوَايَةٌ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى أَفْخَاذِ أَفْرَاسٍ فِي إصْطَبْلِ الْفَارُوقِ: حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا يُكْتَبُ عَلَى كَفَنِ الْمَيِّتِ
وَفِي فَتَاوَى الْمُحَقِّقِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ: سُئِلَ عَنْ كِتَابَةِ الْعَهْدِ عَلَى الْكَفَنِ وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ " وَقِيلَ: إنَّهُ " اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إنِّي أَعْهَدُ إلَيْك فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّك أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي، تُقَرِّبُنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبْعِدُنِي مِنْ الْخَيْرِ، وَأَنَا لَا أَثِقُ إلَّا بِرَحْمَتِك، فَاجْعَلْ لِي عَهْدًا عِنْدَك تُوفِينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ " هَلْ يَجُوزُ؟ وَلِذَلِكَ أَصْلٌ؟ . فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَوَادِرِ الْأُصُولِ لِلتِّرْمِذِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَهُ أَصْلٌ، وَأَنَّ الْفَقِيهَ ابْنَ عُجَيْلٍ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ أَفْتَى بِجَوَازِ كِتَابَتِهِ قِيَاسًا عَلَى كِتَابَةِ لِلَّهِ فِي إبِلِ الزَّكَاةِ، وَأَقَرَّهُ بَعْضُهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْكَفَنِ يس وَالْكَهْفُ وَنَحْوُهُمَا خَوْفًا مِنْ صَدِيدِ الْمَيِّتِ وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ التَّمْيِيزُ وَهُنَا التَّبَرُّكُ، فَالْأَسْمَاءُ الْمُعَظَّمَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَلَا يَجُوزُ تَعْرِيضُهَا لِلنَّجَاسَةِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُطْلَبُ فِعْلُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا إذَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ بَابِ الْمِيَاهِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute