وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَلْ يَرُدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ لِصَاحِبِهِ؟ فَأَجَابَ: إنْ حَصَّلَهُ مِنْهُ بِالتَّرَاضِي وَرَدَ الْأَمْرُ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ الْأَمْرُ بِالرُّجُوعِ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الْقُرَى قَدْ خَرَجَتْ بِهَذَا الْخُصُومَةَ اهـ.
بَابُ الرِّبَا هُوَ لُغَةً: مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ وَشَرْعًا (فَضْلٌ) وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ رِبَا النَّسِيئَةِ
ــ
[رد المحتار]
وَاجِبَةٌ (قَوْلُهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ) أَيْ زَائِدًا عَمَّا وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ ط (قَوْلُهُ إنْ حَصَّلَهُ مِنْهُ بِالتَّرَاضِي إلَخْ) مَفْهُومَةُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِلَا رِضَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِالزَّائِدِ عَمَّا وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ إذَا أَقْرَضَهُ مِائَةً وَبَاعَهُ سِلْعَةً بِثَلَاثِينَ مَثَلًا بَيْعًا مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا مُخَالَفَتُهُ الْأَمْرَ السُّلْطَانِيَّ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِخَمْسَةٍ فَقَطْ، لِتَكُونَ الْعَشَرَةُ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ وَمُقْتَضَى الْأَمْرِ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَهَا بَخَمْسَةَ عَشَرَ، لِتَكُونَ الْعَشَرَةُ بِأَحَدَ عَشْرَةَ وَنِصْفٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَمْرِ لَا تَقْتَضِي فَسَادَ الْبَيْعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَزِيدُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالسَّعْيِ وَتَرْكِ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، فَإِذَا بَاعَ وَتَرَكَ السَّعْيَ يُكْرَهُ الْبَيْعُ، وَلَا يَفْسُدُ فَكَذَا هُنَا بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ وَجَبَ الْفَسْخُ وَرُدَّ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَإِذَا صَحَّ وَجَبَ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الزَّائِدِ وَأَخْذِ مَا وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ فَقَطْ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ أَوْ فَسَادِهِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ غَيْرُ مُرَادٍ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ يَظْهَرُ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ الِاتِّبَاعِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ ط وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَرِدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ بِالرُّجُوعِ: أَيْ وَإِنْ أَخَذَ مَا أَخَذَهُ بِالتَّرَاضِي لَكِنْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ إلَخْ) أَيْ أَقْبَحُ مِنْ بَيْعِ الْمُعَامَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ دَفْعِ دَرَاهِمَ سَلَمًا عَلَى حِنْطَةٍ أَوْ نَحْوِهَا إلَى أَهْلِ الْقُرَى بِحَيْثُ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى خَرَابِ الْقَرْيَةِ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الثَّمَنَ قَلِيلًا جِدًّا فَيَكُونُ إضْرَارُهُ أَكْثَرَ مِنْ إضْرَارِ الْبَيْعِ بِالْمُعَامَلَةِ الزَّائِدَةِ عَنْ الْأَمْرِ السُّلْطَانِيِّ، فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَيْضًا وُرُودُ أَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ بِذَلِكَ لِيُعَزَّرَ مَنْ يُخَالِفُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ أَمْرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[بَاب الرِّبَا]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَ الرِّبَا، لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ حَلَالٌ، وَهَذِهِ حَرَامٌ وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهَرِ وَيُثَنَّى رِبَوَانِ بِالْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَدْ يُقَالُ رِبَيَانِ عَلَى التَّخْفِيفِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ رِبَوِيٌّ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ خَطَأٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ وَهَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَلَا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، إلَّا إذَا كَانَ فَسَادُهُ لِعِلَّةِ الرِّبَا فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعْرِيفُ رِبَا الْفَضْلِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ. نَعَمْ هَذَا يُنَاسِبُ تَعْرِيفَ الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ فَضْلُ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ اهـ
فَإِنَّ الْأَجَلَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَضْلٌ حُكْمِيٌّ بِلَا عِوَضٍ، وَلَمَّا كَانَ الْأَجَلُ يُقْصَدُ لَهُ زِيَادَةُ الْعِوَضِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُرَابَحَةِ صَحَّ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ فَضْلَ مَالٍ حُكْمًا تَأَمَّلْ.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَمِنْ شَرَائِطِ الرِّبَا عِصْمَةُ الْبَدَلَيْنِ، وَكَوْنُهُمَا مَضْمُونَيْنِ بِالْإِتْلَافِ فَعِصْمَةُ أَحَدِهِمَا وَعَدَمُ تَقَوُّمِهِ لَا يَمْنَعُ فَشِرَاءُ الْأَسِيرِ أَوْ التَّاجِرِ مَالَ الْحَرْبِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا جَائِزٌ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْبَدَلَانِ مَمْلُوكَيْنِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَالسَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ، وَلَا مُشْتَرِكَيْنِ فِيهِمَا بِشَرِكَةِ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute