وَمُفَادُهُ الْحِنْثُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُؤَدِّيَنَّ الْيَوْمَ دَيْنَهُ فَعَجَزَ لِفَقْرِهِ وَفَقْدِ مَنْ يُقْرِضُهُ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ فَتَدَبَّرْ
بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ
عَنَوْنَ بِهِ لِأَصَالَتِهِ، وَيُقَالُ لَهُ الْفَارُّ لِفِرَارِهِ مِنْ إرْثِهَا، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ
ــ
[رد المحتار]
أَصْلًا وَفِي لَا أَسْكُنُ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودِيٌّ وَهُوَ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ وَالْوُجُودِيُّ يُمْكِنُ إعْدَامُهُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْمَنْعِ بِأَنْ يُنْسَبَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُكْرِهُ بِالْكَسْرِ.
بِخِلَافِ لَا يَخْرُجُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ عَدَمِيٌّ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إعْدَامُهُ بِالْإِكْرَاهِ لِتَحَقُّقِهِ مِنْ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِي الْوُجُودِيِّ لَا فِي الْعَدَمِيِّ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمِيًّا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَرْطِ الْبِرِّ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ حَنِثَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ حِسِّيًّا أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَانِعُ كَوْنَهُ مُسْتَحِيلًا عَادَةً، كَمَسِّ السَّمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودِيًّا لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْمَانِعُ غَيْرَ حِسِّيٍّ فِي الْمُخْتَارِ، وَهَذَا مَا تَحَرَّرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِيهِ عَدَمِيٌّ وَهُوَ عَدَمُ الْأَدَاءِ وَالْمَحَلِّ وَهُوَ الْحَالِفُ بَاقٍ، وَإِذَا كَانَ يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَيَمَسَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ مَعَ كَوْنِ شَرْطِ الْبِرِّ مُسْتَحِيلًا عَادَةً فَحِنْثُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ مُمْكِنٌ، بِأَنْ يَغْصِبَ مَالًا أَوْ يَجِدَ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ يَرِثَ قَرِيبًا لَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ مَسِّ السَّمَاءِ.
وَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ إنَّهُ يُسْتَفَادُ عَدَمُ الْحِنْثِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمِنَحِ: حَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا دَيْنَهُ غَدًا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْغَدِ أَوْ قَضَاهُ قَبْلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ. اهـ. لِأَنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهِ لَبُطْلَانِ الْيَمِينِ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ صُبَّ مَا فِي الْكُوزِ فَإِنَّ شَرْطَ الْبِرِّ صَارَ مُسْتَحِيلًا عَقْلًا وَعَادَةً بِخِلَافِ مَسِّ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً، وَكَذَا لَا يَرِدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إنْ لَمْ آكُلْ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَأَكَلَهُ غَيْرُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الرَّغِيفُ، وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْقُنْيَةِ مَتَى عَجَزَ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ مُؤَقَّتَةٌ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا فِي الْحَادِثَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُرَادَ الْقُنْيَةِ الْعَجْزُ الْحَقِيقِيُّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَإِلَّا نَاقَضَهُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي لَأَصْعَدَن السَّمَاءَ. ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى صَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْحِنْثِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُسْتَنِدًا إلَى إمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً وَعَادَةً مَعَ الْإِعْسَارِ بِهِبَةٍ أَوْ تَصَدُّقٍ أَوْ إرْثٍ اهـ وَهُوَ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
[بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ]
لَمَّا كَانَ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ أَخَّرَهُ (قَوْلُهُ عَنْوَنَ بِهِ لِأَصَالَتِهِ) أَيْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْمَرِيضِ فِي التَّرْجَمَةِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ الْمَرِيضِ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَرِيضُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ مُلْحَقٌ بِهِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمَرِيضِ مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ مَجَازًا فَيَشْمَلُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ لِفِرَارِهِ مِنْ إرْثِهَا) أَيْ ظَاهِرًا وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ (قَوْلُهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ) بَيَانٌ لِوَجْهِ تَوْرِيثِهَا مِنْهُ اعْتِبَارًا بِقَاتِلِ مُوَرِّثِهِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ فِعْلًا مُحَرَّمًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْفَتْحِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْمَرِيضِ التَّطْلِيقُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ إذَا رَضِيَتْ بِهِ. اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الشَّارِعَ حَيْثُ رَدَّ عَلَيْهِ قَصْدَهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا إلَّا بِصُورَةِ الْإِبْطَالِ لَا بِحَقِيقَتِهِ فَتَدَبَّرْ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَصْدُ مَحْظُورًا لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ كَقَتْلِ الْمُوَرِّثِ اسْتِعْجَالًا لِإِرْثِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُلْتَقَطِ قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ وَقَدْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute