أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِالْمُشَارَكَةِ وَخَالَفَهُ السُّيُوطِيّ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةٌ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُعَبِّرُ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ بِثُمَّ وَبَعْضَهُمْ بِالْوَاوِ، فَبِالْوَاوِ يُشَارِكُ بِخِلَافِ ثُمَّ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا مَعَ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ السُّبْكِيّ وَاقِعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَلَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ مُتَحَيِّرِينَ فِي فَهْمِ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ إلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ. وَلَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الظُّهُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَمَاتَتْ مُسْتَحِقَّةٌ عَنْ وَلَدَيْنِ أَبُوهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهُمَا لِصِدْقِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِاعْتِبَارِ أَبِيهِمَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْإِسْعَافِ والتتارخانية: لَوْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ يَكُونُ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ الذُّكُورِ، كُلُّ مَنْ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إلَى الْوَاقِفِ بِالْآبَاءِ فَهُوَ مِنْ عَقِبِهِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ غَيْرِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الْوَاقِفِ فَلَيْسَ مِنْ عَقِبِهِ انْتَهَى وَسَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِآلِهٍ أَوْ جِنْسِهِ دَخَلَ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَنَّهَا لَوْ أَوْصَتْ إلَى أَهْلِ بَيْتِهَا أَوْ لِجِنْسِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمِهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ لَا لِأُمِّهِ.
قُلْتُ: وَبِهِ عُلِمَ جَوَابُ حَادِثَةِ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الظُّهُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْبُطُونِ فَمَاتَتْ مُسْتَحِقَّةٌ عَنْ وَلَدَيْنِ أَبُوهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ هَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهَا، فَأَجَبْتُ: نَعَمْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهَا لِصِدْقِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِاعْتِبَارِ وَالِدِهِمَا الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ]
فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَنَسَبِهِ وَعَقِبِهِ
ــ
[رد المحتار]
وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقْتُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَفِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، فَاغْتَنِمْ تَوْضِيحَ هَذَا الْمَحَلِّ، وَاشْكُرْ مَوْلَاك عَزَّ وَجَلَّ.
(قَوْلُهُ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِالْمُشَارَكَةِ وَخَالَفَهُ السُّيُوطِيّ) الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ كَمَا ظَهَرَ لَك مِمَّا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنَّ السُّبْكِيَّ أَفْتَى بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ وَبِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالسُّيُوطِيُّ خَالَفَهُ فِي الْأَمْرَيْنِ لَا فِي أَحَدِهِمَا خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ يَجِبُ الْقَوْلُ بِمُشَارَكَتِهِ لِأَهْلِ دَرَجَةِ أَبِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَاهُ أَوْ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: فَبِالْوَاوِ) أَيْ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ، وَقَوْلُهُ يُشَارِكُ صَوَابُهُ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ ثُمَّ) فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُنْقَضُ فِيهَا بِانْقِرَاضِ كُلِّ طَبَقَةٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّوَابَ نَقْضُ الْقِسْمَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَقَدْ أَفْتَيْتُ إلَخْ) أَفْتَى بِمِثْلِهِ الْحَانُوتِيُّ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهُمَا) أَيْ إذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْتِقَالِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِسْعَافِ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ إلَى الْفَصْلِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي أَصْلِ النُّسْخَةِ مَا فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ بِإِعَادَةِ الْحَادِثَةِ الَّتِي أَفْتَى بِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَهَذَا دَلِيلُ مَا أَفْتَى بِهِ، وَهُوَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْإِسْعَافِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ سُقُوطَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ أَصْلِ النُّسْخَةِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ يَرْجِعُ إلَخْ) تَوْضِيحٌ لِمَا قَبْلَهُ ط وَسَيَذْكُرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي تَفْسِيرَ الْعَقِبِ وَالنَّسْلِ وَالْآلِ وَالْجِنْسِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا]
فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ فِي وَقْفِ الْأَوْلَادِ مَا قَدَّمَهُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ هَذَا الْفَصْلِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ) أَيْ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِلْعَلَّامَةِ بُرْهَانِ الدِّينِ إبْرَاهِيمَ الطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute