بَابُ الْعِدَّةِ:
(هِيَ) لُغَةً بِالْكَسْرِ الْإِحْصَاءُ، وَبِالضَّمِّ الِاسْتِعْدَادُ لِلْأَمْرِ. وَشَرْعًا تَرَابُصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ، أَوْ الرَّجُلَ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ.
ــ
[رد المحتار]
ثَابِتٌ لِلْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ كُفُؤًا فَحَقُّ الْفَسْخِ لَهَا دُونَ الْأَوْلِيَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَا ظَهَرَ فَوْقَ مَا أَخْبَرَ فَلَا فَسْخَ لِأَحَدٍ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ لِأَنَّهَا عَسَى تَعْجِزُ عَنْ الْمُقَامِ مَعَهُ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ، لَكِنْ ظَهَرَ لِي الْآنَ أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ لَهَا لِلتَّغْرِيرِ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ كُفُؤًا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ غَرَّهَا، وَلَا يَثْبُتُ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ التَّغْرِيرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ، وَحَقَّهُمْ فِي الْكَفَاءَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ظُهُورُهُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْعِدَّةِ]
ِ لَمَّا تَرَتَّبَتْ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْفُرْقَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ الْكُلِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: الْإِحْصَاءُ) يُقَالُ: عَدَدْت الشَّيْءَ عِدَّةً أَحْصَيْته إحْصَاءً، وَتُقَالُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْدُودِ فَتْحٌ. قُلْت: وَفِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرِهِمَا: عِدَّةُ الْمَرْأَةِ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا فَهُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: الِاسْتِعْدَادُ) أَيْ التَّهَيُّؤُ لِلْأَمْرِ، وَيُقَالُ لِمَا أَعْدَدْته لِحَوَادِثِ الدَّهْرِ مِنْ مَالٍ وَسِلَاحٍ نَهْرٌ وَمِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَرَبُّصٌ إلَخْ) أَيْ انْتِظَارُ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِالتَّزَوُّجِ، فَحَقِيقَتُهُ التَّرْكُ لِلتَّزَوُّجِ وَالزِّينَةِ اللَّازِمُ شَرْعًا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ شَرْعًا، قَالُوا: وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ تَثْبُتُ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي التَّعْرِيفِ هِيَ لُزُومُ التَّرَبُّصِ لِيَصِحَّ كَوْنُ رُكْنِهَا حُرُمَاتٍ، لِأَنَّهَا لُزُومَاتٌ، وَإِلَّا فَالتَّرَبُّصُ فِعْلُهَا، وَالْحُرُمَاتُ أَحْكَامُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَكُونُ نَفْسَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
قُلْت: لَكِنَّ تَقْدِيرَ اللُّزُومِ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ - كَالْكَنْزِ - " يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ " رَكِيكٌ، وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِالتَّرَبُّصِ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَنَحْوِهِمَا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْحُرُمَاتِ هَذِهِ الِامْتِنَاعَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِدَّةَ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْمَرْأَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رُكْنُهَا قَائِمًا بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ رُكْنُهَا الْحُرُمَاتِ يَكُونُ التَّعْرِيفُ بِالتَّرَبُّصِ تَعْرِيفًا بِاللَّازِمِ. اهـ. وَعَرَّفَهَا فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهَا أَجَلٌ تُضْرَبُ لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ.
قَالَ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ اسْمٌ لِفِعْلِ التَّرَبُّصِ الَّذِي هُوَ الْكَفُّ.
قُلْت: وَهَذَا الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ، وَقَالَ: إنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ حَقِيقَةُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُهُ: سُبْحَانَهُ - {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤]- أَنَّهُ نَفْسُ الْمُدَّةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ الْحُرُمَاتُ فِيهَا وَتَقَيَّدَتْ بِهَا، لَا الْحُرُمَاتُ الثَّابِتَةُ فِيهَا وَلَا وُجُودُ الْكُفْءِ وَلَا التَّرَبُّصُ. اهـ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ كَوْنُ الْحُرُمَاتِ رُكْنًا، لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ وَلِذَا جَعَلَهَا بَعْضُهُمْ حُكْمَ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَتَعْرِيفُ الْبَدَائِعِ شَامِلٌ لِعِدَّةِ الصَّغِيرَةِ، بِخِلَافِ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بَلْ يَقُولُونَ تَعْتَدُّ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَلِيِّ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: إنَّهَا مُجَرَّدُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَثُبُوتُهَا فِي حَقِّهَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَوْجِيهِ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا.
فَإِنْ قُلْت: كَوْنُ مُسَمَّاهَا الْمُدَّةَ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ خِطَابِ الْوَلِيِّ أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا. قُلْت: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالثَّابِتُ فِيهَا عَدَمُ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَا خِطَابُ أَحَدٍ بَلْ وَضَعَ الشَّارِعُ عَدَمَ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَوْ فُعِلَ اهـ وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَ أَهْلٌ لِخِطَابِ الْوَضْعِ وَهَذَا مِنْهُ كَمَا خُوطِبَ بِضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ الرَّجُلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ حُرْمَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute