فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ (يَحْرُمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَلَوْ بِحَائِلٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدَنِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الصَّحِيحِ وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا مَسَّ الْجِلْدَ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَهِيَ رُخْصَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مَوْضِعٍ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى (أَوْ فِي الْحَرْبِ) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَيْضًا عِنْدَهُ. وَقَالَا يَحِلُّ فِي الْحَرْبِ (عَلَى الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) كَأَعْلَامِ الثَّوْبِ (مَضْمُومَةٍ) وَقِيلَ مَنْشُورَةٍ وَقِيلَ
ــ
[رد المحتار]
[فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ]
ِ اعْلَمْ أَنَّ الْكِسْوَةَ مِنْهَا فَرْضٌ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الْكَتَّانِ أَوْ الصُّوفِ عَلَى وِفَاقِ السُّنَّةِ بِأَنْ يَكُونَ ذَيْلُهُ لِنِصْفِ سَاقِهِ وَكُمُّهُ لِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ وَفَمُهُ قَدْرَ شِبْرٍ كَمَا فِي النُّتَفُ بَيْنَ النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ إذْ خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَلِلنَّهْيِ عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ وَهُوَ مَا كَانَ فِي نِهَايَةِ النَّفَاسَةِ أَوْ الْخَسَاسَةِ، وَمُسْتَحَبٌّ: وَهُوَ الزَّائِدُ لِأَخْذِ الزِّينَةِ وَإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» وَمُبَاحٌ وَهُوَ الثَّوْبُ الْجَمِيلُ لِلتَّزَيُّنِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ لَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ صَلَفٌ وَخُيَلَاءُ، وَرُبَّمَا يَغِيظُ الْمُحْتَاجِينَ فَالتَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْلَى وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ اللُّبْسُ لِلتَّكَبُّرِ، وَيُسْتَحَبُّ الْأَبْيَضُ وَكَذَا الْأَسْوَدُ لِأَنَّهُ شِعَارُ بَنِي الْعَبَّاسِ «وَدَخَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» وَلُبْسُ الْأَخْضَرِ سُنَّةٌ كَمَا فِي الشِّرْعَةِ اهـ مِنْ الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ.
وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: لُبْسُ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إذَا لَمْ يَتَكَبَّرْ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا اهـ وَمِنْ اللِّبَاسِ الْمُعْتَادِ: لُبْسُ الْفَرْوِ وَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ السِّبَاعِ كُلِّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَيِّتَةِ الْمَدْبُوغَةِ وَالْمُذَكَّاةِ وَدِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا مُحِيطٌ، وَلَا بَأْسَ بِجُلُودِ النَّمِرِ وَالسِّبَاعِ كُلِّهَا إذَا دُبِغَتْ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهَا مُصَلًّى أَوْ مِنْبَرُ السَّرْجِ مُلْتَقَطٌ. وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ السَّرَاوِيلُ الَّتِي تَقَعُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ عَتَّابِيَّةٌ، وَلَا بَأْسَ بِنَعْلٍ مَخْصُوفٍ بِمَسَامِيرِ الْحَدِيدِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا فِيهِ نَجَاسَةٌ تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ هَلْ يَجُوزُ لُبْسُهُ ذَكَرَ فِي كَرَاهِيَةِ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةَ الثَّعَالِبِ، وَلَا يُصَلِّي بِهَا أَنَّ هَذَا زَلَّةٌ مِنْهُ. قُلْت: هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ لَكِنْ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ لَهُ لُبْسَ ثَوْبٍ نَجِسٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ يَحْرُمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَخْ) أَيْ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا يَأْتِي، قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْحَرِيرُ الْإِبْرَيْسَمُ الْمَطْبُوخُ وَسُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْهُ حَرِيرًا (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ عَنْ أُسْتَاذِهِ بَدِيعٌ وَأَنَّهُ قَالَ لَكِنْ طَلَبْت هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَلَمْ أَجِدْ سِوَى مَا عَنْ بُرْهَانِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ الْمَوْضُوعَةِ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى بِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَحِلُّ فِي الْحَرْبِ) أَيْ لَوْ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ كَمَا يَأْتِي وَالْخِلَافُ فِيمَا لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَاهُ، أَمَّا مَا لُحْمَتُهُ فَقَطْ حَرِيرٌ أَوْ سَدَاه حَرِيرٌ فَقَطْ يُبَاحُ لُبْسُهُ حَالَةَ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيَأْتِي (قَوْلُهُ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إلَخْ) لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّمَا «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ» فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْمُصْمَتُ الْخَالِصُ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ» وَهَلْ الْمُرَادُ قَدْرُ الْأَرْبَعِ أَصَابِعَ طُولًا وَعَرْضًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ طُولُ الْعَلَمِ وَعَرْضُهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ الْمُرَادُ عَرْضُهَا فَقَطْ، وَإِنْ زَادَ طُولُهُ عَلَى طُولِهَا الْمُتَبَادِرِ مِنْ كَلَامِهِمْ الثَّانِي، وَيُفِيدُهُ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَنْ الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَعَلَمُ الثَّوْبِ رَقْمُهُ وَهُوَ الطِّرَازُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ خَالِصِ الْحَرِيرِ نَسْجًا أَوْ خِيَاطَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُطَرَّفِ، وَهُوَ مَا جُعِلَ طَرْفُهُ مُسَجَّفًا بِالْحَرِيرِ فِي أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَيَّدُوا الْمُطَرَّزَ بِالْأَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَبَنَوْا الْمُطَرَّفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute