لَزِمَ شَرْطُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ
[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ]
(وَالْمِلْكُ يَزُولُ) عَنْ الْمَوْقُوفِ بِأَرْبَعَةٍ بِإِفْرَازِ مَسْجِدٍ كَمَا سَيَجِيءُ وَ (بِقَضَاءِ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ شَرَائِطُ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ، حَيْثُ شَنَّعَ عَلَى الْخَصَّافِ، بِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْإِسْلَامَ سَبَبَ الْحِرْمَانِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَعَقَّبَ الْخَصَّافَ غَيْرَهُ، وَهَذِهِ لِلْبُعْدِ مِنْ الْفِقْهِ، فَإِنَّ شَرَائِطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ وَهُوَ مَالِكٌ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ صِنْفًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ كَانَ الْوَضْعُ فِي كُلِّهِمْ قُرْبَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ قُرْبَةٌ حَتَّى جَازَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ عِنْدَنَا فَكَيْفَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْطُهُ فِي صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ؟ أَرَأَيْت لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمْ أَلَيْسَ يُحْرَمُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ دَفَعَ الْمُتَوَلِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ ضَمِنَ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحِرْمَانِ بَلْ الْحِرْمَانُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِ تَمَلُّكِهِ لِهَذَا الْمَالِ وَهُوَ إعْطَاءُ الْوَاقِفِ الْمَالِكِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَالْمِلْكُ يَزُولُ) أَيْ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَيَصِيرُ الْوَقْفُ لَازِمًا لِلْإِنْفَاقِ عَلَى التَّلَازُمِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بِأَرْبَعَةٍ) هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، حَتَّى كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَا دَامَ حَيًّا كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بِإِفْرَازِ مَسْجِدٍ) عَبَّرَ بِالْإِفْرَازِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَشَاعًا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِلَا قَضَاءٍ (قَوْلُهُ: وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي) أَيْ قَضَائِهِ بِلُزُومِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَعَبَّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَكُلُّ صَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا مِنْ التَّلَازُمِ بَيْنَ الْخُرُوجِ وَاللُّزُومِ.
[تَنْبِيهٌ] : قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ قَالُوا: الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِلُزُومِهِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لَازِمٌ عِنْدَهُمَا فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَضَى بِذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ هَاهُنَا إلَّا الصِّحَّةُ، وَلَا يَلْزَمُهَا اللُّزُومُ فَيَحْتَاجُ فِي لُزُومِ الْوَقْفِ إلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَجْهُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقُلْ بِكَوْنِ الْوَقْفِ جَائِزًا غَيْرُ لَازِمٍ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ عِنْدَهُ لَازِمٌ إذَا عَلَّقَهُ الْوَاقِفُ بِالْمَوْتِ أَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ قَضَاءٌ بِالْوَقْفِ، فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِصِحَّتِهِ مُقْتَضِيًا لِلُزُومِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْرِيحِ بِاللُّزُومِ فِي الْقَضَاءِ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُ ابْنِ الْغَرْسِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْقَضَاءَ بِصِحَّتِهِ كَالْقَضَاءِ بِلُزُومِهِ أَوْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ فَالْإِمَامُ لَا يَقُولُ بِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ نَفَذَ حُكْمُهُ وَصَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ غَيْرِهِ نَقْضُهُ وَالْوَقْفُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِذَا حَكَمَ بِلُزُومِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لَزِمَ اتِّفَاقًا وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِأَصْلِ الصِّحَّةِ فَلَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ الْخِلَافِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ اللُّزُومَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ خِلَافٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ فَقَوْلُهُمْ يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ بِالْقَضَاءِ بِلُزُومِهِ أَوْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ بِأَنْ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا فَقَطْ بِأَنْ ادَّعَى عَبْدُهُ تَعْلِيقَ عِتْقِهِ عَلَى وَقْفِهِ أَرْضَهُ فَأَنْكَرَ الْمَوْلَى صِحَّةَ الْوَقْفِ لِكَوْنِهِ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مَثَلًا فَأَثْبَتَ الْعَبْدُ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِكَائِنٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ اللُّزُومَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ هَذَا مَا يَظْهَرُ لِلْفِكْرِ الْفَاتِرِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) أَيْ إنَّهُ يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ رَافِعًا لِلْخِلَافِ كَمَا قُلْنَا، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَلُزُومِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ) أَيْ صُورَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلُزُومِهِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُسَلِّمَهُ) أَيْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute