فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبِيحَةِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَمْسَةً وَبَقِيَ الْإِكْرَاهُ وَخَوْفُ هَلَاكٍ أَوْ نُقْصَانُ عَقْلٍ وَلَوْ بِعَطَشٍ أَوْ جُوعٍ شَدِيدٍ وَلَسْعَةِ حَيَّةٍ (لِمُسَافِرٍ) سَفَرًا شَرْعِيًّا
ــ
[رد المحتار]
أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ إذَا أَجْهَدَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ تَحْتَ قَهْرِ الْمَوْلَى، وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا الْعَبْدُ. اهـ.
ح وَظَاهِرُهُ وَهُوَ الَّذِي فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى تَرْجِيحُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ط. قُلْت: مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا أَيْضًا لَوْ فَعَلَتْ مُخْتَارَةً فَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبِيحَةِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ]
فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ
جَمْعِ عَارِضٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ مِمَّا يُبِيحُ لَهُ عَدَمَ الصَّوْمِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ الْمُبِيحَةُ لِعَدَمِ الصَّوْمِ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْبَدَائِعِ الْمُسْقِطَةِ لِلصَّوْمِ لَمَّا أَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ السَّفَرَ فَإِنَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَإِنَّمَا يُبِيحُ عَدَمَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَكَذَا إبَاحَةُ الْفِطْرِ لِعُرُوضِ الْكِبَرِ فِي الصَّوْمِ فِيهِ مَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ خَمْسَةٌ) هِيَ السَّفَرُ وَالْحَبَلُ وَالْإِرْضَاعُ وَالْمَرَضُ وَالْكِبَرُ وَهِيَ تِسْعٌ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي:
وَعَوَارِضُ الصَّوْمِ الَّتِي قَدْ يُغْتَفَرْ ... لِلْمَرْءِ فِيهَا الْفِطْرُ تِسْعٌ تُسْتَطَرْ
حَبَلٌ وَإِرْضَاعٌ وَإِكْرَاهُ سَفَرْ ... مَرَضٌ جِهَادٌ جُوعُهُ عَطَشٌ كِبَرْ
(قَوْلُهُ وَبَقِيَ الْإِكْرَاهُ) ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ كَحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنْ بِمُلْجِئٍ كَقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ حَلَّ فَإِنْ صَبَرَ فَقُتِلَ أَثِمَ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِمُلْجِئٍ رَخَّصَ لَهُ إظْهَارَهُ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ وَمِثْلُهُ سَائِرُ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَإِفْسَادِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَقَتْلِ صَيْدِ حَرَمٍ أَوْ فِي إحْرَامٍ وَكُلِّ مَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ. اهـ.
وَإِنَّمَا أَثِمَ لَوْ صَبَرَ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْحُرْمَةِ حِلٌّ بِخِلَافِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لَمْ تَرْتَفِعْ وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِيهِ لِسُقُوطِ الْإِثْمِ فَقَطْ، وَلِهَذَا نَقَلَ هُنَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْفِطْرِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا بِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ أَثِمَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَخَوْفُ هَلَاكٍ إلَخْ) كَالْأَمَةِ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلُ حَثِيثٌ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ أَفْطَرَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَسْعَةِ حَيَّةٍ) عَطْفٌ عَلَى الْعَطَشِ الْمُتَعَلِّقِ بِقَوْلِهِ وَخَوْفُ هَلَاكٍ ح أَيْ فَلَهُ شُرْبُ دَوَاءٍ يَنْفَعُهُ (قَوْلُهُ لِمُسَافِرٍ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي الْفِطْرُ وَأَشَارَ بِاللَّامِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَلَكِنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ سَفَرًا شَرْعِيًّا) أَيْ مُقَدَّرًا فِي الشَّرْعِ