للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ لَمْ يَقُلْ الْمَتْرُوكَاتِ ظَنًّا بِالْمُسْلِمِ خَيْرًا، إذْ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ كَبِيرَةٌ لَا تَزُولُ بِالْقَضَاءِ بَلْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ الْحَجِّ، وَمِنْ الْعُذْرِ الْعَدُوُّ، وَخَوْفُ الْقَابِلَةِ مَوْتَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ

ــ

[رد المحتار]

فَفِي الْأَوَّلِ يَقْضِي رَكْعَةً، وَفِي الثَّالِثِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الرَّابِعِ أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ فِي الْكُلِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَالْخَامِسِ، وَفِيهَا أَيْضًا الْمُقْتَدِي إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ قَبْلَ إمَامِهِ فَلَمَّا أَطَالَ الْإِمَامُ ظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيَةً فَسَجَدَ مَعَهُ، إنْ نَوَى بِهَا الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَتْ عَنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى؛ وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ وَالْمُتَابَعَةَ تَرْجِيحًا لِلْمُتَابَعَةِ، وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهَا لِلْمُخَالَفَةِ؛ وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ الثَّانِيَةِ اهـ. وَذَكَرَ الْمُحَشِّي تَوْجِيهَ الْأُولَى، وَقَدَّمْنَاهُ مُوَضَّحًا فِي أَوَاخِرِ الْإِمَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ]

ِ أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَالْأَحْكَامُ تَعُمُّ كَيْفِيَّةَ الْقَضَاءِ وَغَيْرَهَا ط.

(قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ الْمَتْرُوكَاتِ إلَخْ) لِأَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْفَوَائِتِ إسْنَادَ الْفَوْتِ إلَيْهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ بَلْ هُوَ مُلْجَأٌ لِعُذْرٍ مُبِيحٍ بِخِلَافِ الْمَتْرُوكَاتِ لِأَنَّ فِيهِ إسْنَادَ التَّرْكِ لِلْمُكَلَّفِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ رَحْمَتِيٌّ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْكَلَامُ فِي حُكْمِ جَاحِدِهَا وَتَارِكِهَا وَإِسْلَامِ فَاعِلِهَا.

(قَوْلُهُ إذْ التَّأْخِيرُ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ ط.

(قَوْلُهُ لَا تَزُولُ بِالْقَضَاءِ) وَإِنَّمَا يَزُولُ إثْمُ التَّرْكِ، فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا إذَا قَضَاهَا وَإِثْمُ التَّأْخِيرِ بَاقٍ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ بَلْ بِالتَّوْبَةِ) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَمَّا بِدُونِهِ فَالتَّأْخِيرُ بَاقٍ، فَلَمْ تَصِحَّ التَّوْبَةُ مِنْهُ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِقْلَاعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ أَوْ الْحَجُّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبْرُورَ مِنْهُ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ط.

(قَوْلُهُ وَمِنْ الْعُذْرِ) أَيْ لِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَأَمَّا قَضَاءُ فَوَائِتَ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِلسَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.

(قَوْلُهُ الْعَدُوُّ) كَمَا إذَا خَافَ الْمُسَافِرُ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوَقْتِيَّةَ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ.

قُلْت: هَذَا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهَا أَصْلًا، أَمَّا لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَيُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ وَلَوْ هَارِبًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ صَلَاتُهَا قَاعِدًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ اسْتَقْبَلَ يَرَاهُ الْعَدُوُّ يُصَلِّي بِمَا قَدَرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

(قَوْلُهُ وَخَوْفُ الْقَابِلَةِ إلَخْ) وَكَذَا خَوْفُ أُمِّهِ إذَا خَرَجَ رَأْسُهُ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ وَتَضَعُ تَحْتَهَا طَسْتًا وَتُصَلِّي فَذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ) وَذَلِكَ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» ح عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ يَكُونُ بِمَعْنَى اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَى الصِّيغَةِ وَفِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْأَمْرُ قَدْ يُرَادُ بِهِ لَفْظُهُ: أَعْنِي مَا تَرَكَّبَ مِنْ مَادَّةِ أم ر، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الصِّيغَةُ كَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ. وَهِيَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ الْأَمْرِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا. وَالتَّحْقِيقُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ الرَّاجِحِ. فَإِطْلَاقُ لَفْظِ أم ر عَلَى الصِّيغَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ حَقِيقَةٌ، فَالْمَنْدُوبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>