بِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ فَتَدَبَّرْهُ، وَلَوْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مَوَاتًا أَوْ مَلَكَهَا السُّلْطَانَ، ثُمَّ أَقْطَعَهَا لَهُ جَازَ وَقْفُهُ لَهَا وَالْأَرْصَادُ مِنْ السُّلْطَانِ لَيْسَ بِإِيقَافٍ أَلْبَتَّةَ وَفِي الْأَشْبَاهِ قُبَيْلَ الْقَوْلِ فِي الدَّيْنِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْمُقْطَعِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ بِغَيْرِ الْمَوَاتِ، أَمَّا الْمَوَاتُ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إخْرَاجُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ بِالْإِحْيَاءِ فَلْيُحْفَظْ
فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ
قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيقِ الْقَضَاءِ، وَالْإِمَارَةِ بِجَامِعِ الْوِلَايَةِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ بَطَلَ التَّقْرِيرُ، فَإِذَا قَالَ الْقَاضِي إنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ شَغَرَتْ وَظِيفَةُ كَذَا فَقَدْ قَرَّرْتُك فِيهَا صَحَّ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ تَفَقُّهًا وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ. اهـ. أَقُولُ: قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي فَصْلِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فِي التَّنْفِيلِ أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ قِتَالٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، مَا لَمْ يَرْجِعُوا وَإِنْ مَاتَ الْوَالِي أَوْ عُزِلَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الثَّانِي، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَبْطُلُ لِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فِيهِ تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقِ السَّلْبِ عَلَى الْقَتْلِ لَكِنْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ خِلَافَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَبْطُلُ التَّنْفِيلُ بِعَزْلِ الْأَمِيرِ وَكَذَا بِمَوْتِهِ إذَا نُصِّبَ غَيْرُهُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَسْكَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مَوَاتًا) أَيْ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ كَانَ الْمُقْطَعُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَيَمْلِكُ رَقَبَتَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِإِقْطَاعِهِ أَنَّهُ لَهُ بِإِحْيَائِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ إذْنِهِ بِصِحَّةِ الْإِحْيَاءِ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِ الْمُحْيِي مُسْتَحِقًّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَلْ لَوْ كَانَ ذِمِّيًّا مَلَكَ مَا أَحْيَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ مَلَكَهَا السُّلْطَانُ) أَيْ بِإِحْيَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَقْطَعَهَا لَهُ) يَعْنِي وَهَبَهَا لَهُ (قَوْلُهُ جَازَ وَقْفُهُ لَهَا) وَكَذَا بَيْعُهُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا حَقِيقَةً (قَوْلُهُ وَالْإِرْصَادُ إلَخْ) الرَّصَدُ الطَّرِيقُ وَرَصَدَتْهُ رَصْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ: قَعَدْت لَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَقَعَدَ فُلَانٌ بِالْمَرْصَدِ كَجَعْفَرٍ وَبِالْمِرْصَادِ بِالْكَسْرِ، وَبِالْمُرْتَصِدِ أَيْضًا أَيْ بِطَرِيقِ الِارْتِقَابِ وَالِانْتِظَارِ، وَرَبُّك لَك بِالْمِرْصَادِ: أَيْ مُرَاقِبُك، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فِعَالِك، وَلَا تَفُوتُهُ مِصْبَاحٌ وَمِنْهُ سُمِّيَ إرْصَادُ السُّلْطَانِ بَعْضَ الْقُرَى، وَالْمَزَارِعِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ، وَنَحْوِهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْقُرَّاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَنَحْوِهِمْ، كَأَنَّ مَا أَرْصَدَهُ قَائِمٌ عَلَى طَرِيقِ حَاجَاتِهِمْ يُرَاقِبُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ مِلْكِ السُّلْطَانِ لَهُ، بَلْ هُوَ تَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحَقِّيهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ وَيُبَدِّلَهُ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا (قَوْلُهُ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْمُقْطَعِ) تَقَدَّمَ آنِفًا وَذَكَرْنَا عِبَارَةَ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ]
هَذَا هُوَ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَرَاجِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِقُوَّتِهِ لِوُجُوبِهِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ إذْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا مُقَيَّدًا: أَيْ فَيُقَالُ خَرَاجُ الرَّأْسِ، وَهَذَا أَمَارَةُ الْمَجَازِ، وَبُنِيَتْ عَلَى فِعْلَةٍ دَلَالَةً عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي هِيَ الْإِذْلَالُ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ نَهْرٌ. وَتُسَمَّى جَالِيَةٌ مِنْ جَلَوْت عَنْ الْبَلَدِ جَلَاءً بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ خَرَجْت وَأَجْلَيْت مِثْلَهُ، وَالْجَالِيَةُ الْجَمَاعَةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ جَلَاهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ: الْجَالِيَةُ ثُمَّ نُقِلَتْ الْجَالِيَةُ إلَى الْجِزْيَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُمْ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي كُلِّ جِزْيَةٍ تُؤْخَذُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا أُجْلِيَ عَنْ وَطَنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute