للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ كُفْرَهُ الْمُقَارِنَ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ فَلَوْ مِنْ مُسْلِمٍ قُبِلَ كَمَا سَيَجِيءُ

[مَطْلَبٌ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمِّيِّ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ]

(وَيُؤَدَّبُ الذِّمِّيُّ وَيُعَاقَبُ عَلَى سَبِّهِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ النَّبِيَّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاوِيٌّ وَغَيْرُهُ

ــ

[رد المحتار]

عَنْهُمْ الْأَمَانَ، فَإِنْ نَحْنُ خَالَفْنَا شَيْئًا مِمَّا شَرَطْنَاهُ لَكُمْ وَضَمِنَّاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا فَلَا ذِمَّةَ لَنَا وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مِنَّا مَا يَحِلُّ لَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ، وَفِي رِوَايَةِ الْخَلَّالِ: فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ أَمْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوهُ وَأَلْحَقَ فِيهِ حَرْفَيْنِ اشْتَرَطَهُمَا عَلَيْهِمْ مَعَ مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنْ لَا يَشْتَرُوا شَيْئًا مِنْ سَبَايَانَا وَمَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا عَمْدًا فَقَدْ خُلِعَ عَهْدُهُ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ كِتَابَ الْعَهْدِ بِتَمَامِهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ اهـ ثُمَّ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّهُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ الدَّيْرِ أَيْ الَّذِي أَحْدَثُوهُ فِي زَمَنِهِ، وَأَلَّفَ فِيهِ الرِّسَالَةَ الْمَذْكُورَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا أَلْحَقَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ مِنْ نَقْضِي الْعَهْدِ بِتَمَرُّدِهِمْ وَاسْتِعْلَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُقَيِّدُوا بِهَذَا الْقَيْدِ لِظُهُورِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّمْلِيِّ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى أَمْرٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ بَيَانُ أَنَّ مُجَرَّدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ السَّبِّ وَنَحْوِهِ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ إمَامٍ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً يَشْتَرِطُ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي شَرَطَهُ عُمَرُ فَلِذَا تَرَكُوا التَّصْرِيحَ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا شَرَطَهُ عُمَرُ عَلَى الشَّامِ وَنَحْوِهَا لَا يَجْرِي حُكْمُهُ عَلَى كُلِّ مَا فَتَحَهُ مِنْ الْبِلَادِ مَا لَمْ يُعْلَمْ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. فَصَارَ الْحَاصِلُ: أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ بِمَا ذَكَرُوهُ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ انْتِقَاضُهُ بِهِ فَإِذَا اُشْتُرِطَ انْتَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا إلَّا إذَا أَعْلَنَ بِالشَّتْمِ أَوْ اعْتَادَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِمَا يَأْتِي عَنْ الْمَعْرُوضَاتِ وَغَيْرِهَا وَلِمَا ذَكَرَهُ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ عَنْ حَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ إذَا طَعَنَ الذِّمِّيُّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ طَعْنًا ظَاهِرًا جَازَ قَتْلُهُ لِأَنَّ الْعَهْدَ مَعْقُودٌ مَعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَطْعَنَ فَإِذَا طَعَنَ، فَقَدْ نَكَثَ عَهْدَهُ وَخَرَجَ مِنْ الذِّمَّةِ اهـ لَكِنْ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الطَّعْنِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ]

قَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الشَّتْمَ بِمَا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ وَنَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ: إذَا ذَكَرَهُ بِسُوءٍ يَعْتَقِدُهُ وَيَتَدَيَّنُ بِهِ، بِأَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ أَوْ قَتَلَ الْيَهُودَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَمَا لَوْ نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا أَوْ طَعَنَ فِي نَسَبِهِ يُنْتَقَضُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُقَارِنَ لَهُ) أَيْ لِعَهْدِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ فَالطَّارِئُ) أَيْ بِالسَّبِّ (قَوْلُهُ فَلَوْ مِنْ مُسْلِمٍ قُبِلَ) أَيْ إنْ لَمْ يَتُبْ لَا مُطْلَقًا خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ هُنَا وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ لَا مَذْهَبُنَا كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَيُؤَدَّبُ الذِّمِّيُّ وَيُعَاقَبُ إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ تَأْدِيبَهُ وَعَاقَبَهُ بِالْقَتْلِ، إذَا اعْتَادَهُ، وَأَعْلَنَ بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ حَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُكَابِرُ بِالظُّلْمِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَالْمُكَّاسُ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ وَجَمِيعُ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّهُ أَفْتَى النَّاصِحِيُّ بِقَتْلِ كُلِّ مُؤْذٍ. وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: لَا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِالسَّبِّ، وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِذَلِكَ لَكِنْ يُعَزَّرُ عَلَى إظْهَارِ ذَلِكَ كَمَا يُعَزَّرُ عَلَى إظْهَارِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِعْلُهَا مِنْ إظْهَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>