كِتَابُ الْحَوَالَةِ (هِيَ) لُغَةً النَّقْلُ، وَشَرْعًا: (نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) وَهَلْ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ الْمُصَحَّحِ نَعَمْ فَتْحٌ.
(الْمَدْيُونُ مُحِيلٌ وَالدَّائِنُ مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ لَهُ وَمُحَالٌ وَمُحَالٌ لَهُ)
ــ
[رد المحتار]
[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]
ِ كُلٌّ مِنْ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ عَقْدُ الْتِزَامِ مَا عَلَى الْأَصِيلِ لِلتَّوَثُّقِ، إلَّا أَنَّ الْحَوَالَةَ تَتَضَمَّنُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ إبْرَاءً مُقَيَّدًا كَمَا سَيَجِيءُ، فَكَانَتْ كَالْمُرَكَّبِ مَعَ الْمُفْرَدِ، وَالثَّانِي مُقَدَّمٌ فَلَزِمَ تَأْخِيرُ الْحَوَالَةِ.
نَهْرٌ (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً النَّقْلُ) أَيْ مُطْلَقًا لِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، وَهِيَ اسْمٌ مِنْ الْإِحَالَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَحَلْت زَيْدًا عَلَى عَمْرٍو، فَاحْتَالَ: أَيْ قَبِلَ.
وَفِي الْمُغْرِبِ تَرْكِيبُ الْحَوَالَةِ يَدُلُّ عَلَى الزَّوَالِ وَالنَّقْلِ وَمِنْهُ التَّحْوِيلُ، وَهُوَ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ مَحِلٍّ إلَى مَحِلٍّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا: نَقْلُ الدَّيْنِ إلَخْ) أَيْ مَعَ الْمُطَالَبَةِ، وَقِيلَ: نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ، وَنَسَبَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَوَّلَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِيَ إلَى مُحَمَّدٍ.
وَجْهُ الْأَوَّلِ دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحِيلَ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَحَكَى فِي الْمَجْمَعِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَوَجْهُ الثَّانِي دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا، عَلَى أَنَّ الْمُحِيلَ إذَا قَضَى دَيْنَ الطَّالِبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَكَذَا الْمُحْتَالُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْحَوَالَةِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ارْتَدَّ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ أَوْ وَهَبَهُ وَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّتِهِ لَمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَكَذَا الْمُحَالُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَمْرِهِ كَالْكَفَالَةِ، وَلَوْ وَهَبَهُ رَجَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
وَظَاهِرُهُ اتِّفَاقُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُفِيدُ اتِّفَاقَ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا عَلَى عَوْدِ الدَّيْنِ بِالتَّوَى، وَعَلَى جَبْرِ الْمُحَالِ عَلَى قَبُولِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحِيلِ وَعَلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ، وَعَلَى أَنَّ إبْرَاءَ الْمُحَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَعَلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الْمُحَالِ الْمُحِيلَ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَعَلَى أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ كَانَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَعَلَى أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْفَسْخِ وَعَلَى عَدَمِ سُقُوطِ حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عِنْدَ الْمُحْتَالِ رَهْنٌ لِلْمُحِيلِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُحِيلُ هُوَ الْبَائِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُرْتَهِنَ عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَبْسُ الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ لِسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ تُبَايِنُ كَوْنَهَا نَقْلًا لِلدَّيْنِ، وَلَكِنْ اُعْتُبِرَتْ الْحَوَالَةُ تَأْجِيلًا إلَى التَّوَى فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَجُعِلَ النَّقْلُ لِلْمُطَالَبَةِ، وَفِي بَعْضِهَا اُعْتُبِرَتْ إبْرَاءً وَجُعِلَ النَّقْلُ لِلدَّيْنِ أَيْضًا، وَتَمَامُ التَّوْجِيهِ فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا أَحَالَ الطَّالِبُ إنْسَانًا عَلَى مَدْيُونِهِ وَبِالدَّيْنِ كَفِيلٌ بَرِئَ الْمَدْيُونُ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَبَرِئَ كَفِيلُهُ، وَيُطَالِبُ الْمُحْتَالُ الْأَصِيلَ لَا الْكَفِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا لَكِنَّهَا بَرَاءَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَكَذَا إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُحْتَالِ اهـ.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الْمُحِيلُ وَفِيمَا مَرَّ هُوَ الْمُحْتَالُ، وَعَلِمْت وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي أَيْضًا وَمَسْأَلَةُ الْكَفَالَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا: لَوْ أَحَالَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ بِالْمَالِ عَلَى رَجُلٍ بَرِئَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الطَّالِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَقَطْ فَلَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ.
(قَوْلُهُ: وَالدَّائِنُ مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ لَهُ إلَخْ) يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ دُرَرٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ اللُّغَةَ بِخِلَافِهِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَوْلُهُمْ لِلْمُحْتَالِ الْمُحْتَالُ لَهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الصِّلَةِ زَادَ فِي الْفَتْحِ بَلْ الصِّلَةُ مَعَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَفْظَةُ عَلَيْهِ فَهُمَا مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ عَلَيْهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الصِّلَةِ وَبِصِلَةِ عَلَيْهِ اهـ. قُلْت: وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوَالَةَ لُغَةً بِمَعْنَى النَّقْلِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَالْمَدْيُونُ يَدْفَعُ الطَّالِبَ عَنْ نَفْسِهِ وَيُسَلِّطُهُ عَلَى غَرِيمِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ نَقْلُ الدَّيْنِ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْضًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُقَالُ: مُحْتَالٌ لَا غَيْرَ