وَخَرَّجَ عَلَيْهِ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي اسْتِقْرَاضَ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَبَيْعَ الدَّقِيقِ وَزْنًا فِي زَمَانِنَا يَعْنِي بِمِثْلِهِ
ــ
[رد المحتار]
عَلَى كَيْلِيَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَوَزْنِيَّةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَوْنِ الْعُرْفِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعُرْفُ إذْ ذَاكَ بِالْعَكْسِ لِوُرُودِ النَّصِّ مُوَافِقًا لَهُ وَلَوْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَصَّ عَلَى تَغَيُّرِ الْحُكْمِ،
وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِالْعُرْفِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعُرْفُ فِي أَيِّ زَمَنٍ كَانَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِيهِ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَافْهَمْ.
[مَطْلَبٌ فِي اسْتِقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا]
(قَوْلُهُ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ سَعْدِي أَفَنْدِي) أَيْ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْعِنَايَةِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالِاسْتِقْرَاضِ بَلْ مِثْلُهُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ، أَوْ الْأُجْرَةِ الْغَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا وَمِقْدَارُ الْوَزْنِ لَا يُعْلَمُ بِالْعَدِّ كَالْعَكْسِ، وَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ فِي أَوَاخِرِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: أَنَّهُ لَا حِيلَةَ فِيهَا إلَّا التَّمَسُّكَ بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. لَكِنْ ذَكَرَ شَارِحُهَا سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ مَعَ وُجُودِ الصَّحِيحِ لَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ نَحْنُ نَقُولُ إذَا كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَضْرُوبَيْنِ، فَذِكْرُ الْعَدِّ كِنَايَةٌ عَنْ الْوَزْنِ اصْطِلَاحًا لِأَنَّ لَهُمَا وَزْنًا مَخْصُوصًا وَلِذَا نُقِشَ وَضُبِطَ وَالنُّقْصَانُ الْحَاصِلُ بِالْقَطْعِ أَمْرٌ جُزْئِيٌّ لَا يَبْلُغُ الْمِعْيَارَ الشَّرْعِيَّ، وَأَيْضًا فَالدِّرْهَمُ الْمَقْطُوعُ عَرَفَ النَّاسُ مِقْدَارَهُ، فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْوَزْنِ إذَا كَانَ الْعَدُّ دَالًّا عَلَيْهِ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ ذِكْرُ الْعَدِّ بَدَلَ الْوَزْنِ حَيْثُ عَبَّرَ فِي زَكَاةِ دُرَرِ الْبِحَارِ بِعِشْرِينَ ذَهَبًا وَفِي الْكَنْزِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا بَدَلَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا اهـ مُلَخَّصًا.
وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ، وَلَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَزْنُ مَضْبُوطًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ دِينَارٌ عَلَى دِينَارٍ، وَلَا دِرْهَمٌ عَلَى دِرْهَمٍ، وَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا خِلَافُهُ فَإِنَّ النَّوْعَ الْوَاحِدَ مِنْ أَنْوَاعِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَيْنِ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ كَالْجِهَادِيِّ وَالْعَدْلِيِّ وَالْغَازِيِّ مِنْ ضَرْبِ سُلْطَانِ زَمَانِنَا أَيَّدَهُ اللَّهُ، فَإِذَا اسْتَقْرَضَ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ نَوْعٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُوَفِّيَ بَدَلَهَا مِائَةً مِنْ نَوْعِهَا الْمُوَافِقِ لَهَا فِي الْوَزْنِ أَوْ يُوَفِّيَ بَدَلَهَا وَزْنًا لَا عَدَدًا، وَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَهُوَ رِبًا لِأَنَّهُ مُجَازَفَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الطَّارِئِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ تَقْدِيرُ الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ، أَوْ بِالْعَكْسِ اُعْتُبِرَ، أَمَّا لَوْ تُعُورِفَ إلْغَاءُ الْوَزْنِ أَصْلًا كَمَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَدَدِ بِلَا نَظَرٍ إلَى الْوَزْنِ، فَلَا يَجُوزُ لَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ نُصُوصِ التَّسَاوِي بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ.
نَعَمْ إذَا غَلَبَ الْغِشُّ عَلَى النُّقُودِ فَلَا كَلَامَ فِي جَوَازِ اسْتِقْرَاضِهَا عَدَدًا بِدُونِ وَزْنٍ اتِّبَاعًا لِلْعُرْفِ، بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِالنُّقُودِ الْخَالِصَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا وَزْنًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّرْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي رِسَالَتِنَا: " نَشْرُ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ " فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَبَيْعَ الدَّقِيقِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِخْرَاجِهِ، فَقَدْ وُجِدَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا إذَا تَعَارَفَ النَّاسُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ ط وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ وَاسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا إذَا تَعَارَفَ النَّاسُ ذَلِكَ اُسْتُحْسِنَ فِيهِ اهـ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ تَلْقِيحِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ بَيْعَهُ وَزْنًا جَائِزٌ، لِأَنَّ النَّصَّ عَيَّنَ الْكَيْلَ فِي الْحِنْطَةِ دُونَ الدَّقِيقِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ لِأَنَّ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ اتِّفَاقًا لَكِنْ سَنَذْكُرُ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَأَنَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ جَزَمَ بِرِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِمِثْلِهِ) الْمُرَادُ مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْعُ الدَّقِيقِ وَزْنًا بِمِثْلِهِ احْتِرَازًا عَنْ بَيْعِهِ وَزْنًا بِالدَّرَاهِمِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute