للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ بِالْوَطْءِ بَعْدَهُ (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَائِهِ) أَيْ الْإِحْصَانِ؛ فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً ثُمَّ طَلَّقَ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا وَزَنَى رُجِمَ، وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الشُّرُوطَ فَقَالَ:

شُرُوطُ الْإِحْصَانِ أَتَتْ سِتَّةٌ ... فَخُذْهَا عَنْ النَّصِّ مُسْتَفْهِمَا

بُلُوغٌ وَعَقْلٌ وَحُرِّيَّةٌ ... وَرَابِعُهَا كَوْنُهُ مُسْلِمَا

وَعَقْدٌ صَحِيحٌ وَوَطْءٌ مُبَاحٌ ... مَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَا يُرْجَمَا

بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ

لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ لِحَدِيثِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ) الشَّيْءَ (الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: شُبْهَةٌ) حُكْمِيَّةٌ (فِي الْمَحِلِّ

ــ

[رد المحتار]

وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً وَلِذَا قَالَ: لَوْ أَسْلَمَ لَمْ يَعُدْ إلَّا بِالدُّخُولِ بَعْدُ: أَيْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ عِنْدَ وَطْءٍ آخَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.

فَعُلِمَ أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا بَطَلَ اعْتِبَارُهُ بَطَلَ الْإِحْصَانُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ إذَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدِهِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى غَيْرِهَا وَيَطَؤُهَا بَعْدَهُ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ فَيَعُودُ لَهُ إحْصَانٌ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ أَبْطَلَتْ الْإِحْصَانَ السَّابِقَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِالْوَطْءِ بَعْدَهُ) نَسَبَهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ إلَى أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً) أَيْ وَدَخَلَ بِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: ثُمَّ زَالَ النِّكَاحُ، وَهِيَ أَعَمُّ لِشُمُولِهَا زَوَالَ النِّكَاحِ بِمَوْتِهَا أَوْ رِدَّتِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) نَقَلَهُ الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَشِيدٍ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ الْمَالِكِيِّ كَمَا فِي التَّتَّائِيِّ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ شُرُوطُ الْحَصَانَةِ فِي سِتَّةٍ. اهـ. ط.

أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الشَّطْرَ الْأَوَّلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَحْرِ السَّرِيعِ وَالْبَقِيَّةَ مِنْ بَحْرِ الْمُتَقَارِبِ فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْأَبْيَاتِ فَلَا يُرْجَمَا بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ كَمَا رَأَيْنَاهُ فِي النُّسَخِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ وَلَا نَاهِيَةٌ وَأَصْلُهُ لَا تَرْجُمْنَ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْمُخَفَّفَةِ قُلِبَتْ أَلِفًا، إذْ لَوْ كَانَتْ لَا نَافِيَةً وَجَبَ الرَّفْعُ، وَلَعَلَّ اقْتِصَارَ النَّاظِمِ عَلَى الشُّرُوطِ السِّتَّةِ لِكَوْنِهَا مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ وَزِيدَ عَلَيْهَا عِنْدَنَا كَوْنُهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْوَطْءِ وَعَدَمُ الِارْتِدَادِ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، وَيُزَادُ كَوْنُ الْعَقْدِ صَحِيحًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَقَدْ غَيَّرْت هَذَا النَّظْمَ جَامِعًا لِلتِّسْعَةِ فَقُلْت:

شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ تِسْعٌ أَتَتْ ... مَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَا تَرْجُمَا

بُلُوغٌ وَعَقْلٌ وَحُرِّيَّةٌ ... وَدِينٌ وَفَقْدُ ارْتِدَادِهِمَا

وَوَطْءٌ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ لِمَنْ ... غَدَتْ مِثْلَهُ فِي الَّذِي قُدِّمَا

[بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ]

ُ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يُوجِبُهُ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ) عِلَّةٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَهُوَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ. وَطَعَنَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْوَاجِبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالشُّبْهَةِ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْلِ. وَأَيْضًا فِي إجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كِفَايَةٌ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَفِي تَتَبُّعِ الْمُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ تَلْقِينِ مَاعِزٍ وَغَيْرِهِ الرُّجُوعَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ بَعْدَ الثُّبُوتِ مَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ فِي الْمَحِلِّ) هُوَ الْمَوْطُوءَةُ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالشَّلَبِيِّ وَغَيْرِهِمَا، فَقَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>