(وَ) كَوْنُهُمَا (بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) الْمَذْكُورَةِ وَقْتَ الْوَطْءِ، فَإِحْصَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِصَيْرُورَةِ الْآخَرِ مُحْصَنًا، فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً أَوْ الْحَرَّةُ عَبْدًا فَلَا إحْصَانَ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِهِ لَا بِمَا قَبْلَهُ، حَتَّى لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُرْجَمُ بَلْ يُجْلَدُ. وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يَبْطُلَ إحْصَانُهُمَا بِالِارْتِدَادِ، فَلَوْ ارْتَدَّا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يَعُدْ إلَّا بِالدُّخُولِ بَعْدَهُ، وَلَوْ بَطَلَ بِجُنُونٍ أَوْ عَتَهٍ عَادَ بِالْإِفَاقَةِ،
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي نِكَاحٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي النِّكَاحِ أَصْلًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ الْمَرْأَةُ الْعَقْدَ أَوْ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ فَلَا يَكُونُ بِهَذَا الْوَطْءِ مُحْصَنًا وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي عَقْدٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بَعْدَهُ لَا فِي حَالَةِ الْوَطْءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَفِي هَذَا الْحَلِّ إصْلَاحٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ اشْتِرَاطَ إحْصَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِإِحْصَانِ الْآخَرِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ.
قُلْت: وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ كَمَا لَوْ خَلَا بِهَا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا أَوْ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُسَلِّمَةً وَأَنْكَرَتْ فَإِذَا زَنَى يُرْجَمُ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِإِقْرَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الشَّرْطِ الْأَخِيرِ: أَيْ لَوْ نَكَحَ الْحُرُّ أَمَةً أَوْ الْعَبْدُ حُرَّةً وَوَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُحْصَنًا إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْإِحْصَانُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِاتِّصَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ وَقْتَهُ، حَتَّى لَوْ زَنَى أَحَدُهُمَا بَعْدَ هَذَا الْوَطْءِ يُرْجَمُ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ الْمُسْلِمُ بِمَنْكُوحَتِهِ الْكَافِرَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ أَوْ الصَّغِيرَةِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا إلَّا أَنْ يَطَأَهَا ثَانِيًا بَعْدَ إسْلَامِهَا أَوْ إفَاقَتِهَا أَوْ بُلُوغِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ حُرَّةٌ مُكَلَّفَةٌ مُسْلِمَةٌ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَهُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ زَنَتْ لَا تُرْجَمُ لِعَدَمِ إحْصَانِهَا.
وَصُورَةُ كَوْنِ زَوْجِ الْمُسْلِمَةِ كَافِرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ فَتُسْلِمَ هِيَ فَيَطَأَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ وَإِبَائِهِ فَإِنَّهُمَا زَوْجَانِ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] اشْتِرَاطُ إحْصَانِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِلرَّجْمِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مُحْصَنًا الْإِحْصَانَ الْمَذْكُورَ بِشُرُوطِهِ ثُمَّ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمَزْنِيُّ بِهَا إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً مِثْلَهُ تُرْجَمُ أَيْضًا وَإِلَّا فَتُجْلَدُ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً الْإِحْصَانَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ زَنَتْ بِرَجُلٍ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ إلَخْ) أَطْلَقَ الذِّمِّيَّ فَشَمِلَ لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا، وَكَوْنُ الْمَزْنِيِّ بِهَا مُسْلِمَةً غَيْرُ قَيْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرْجَمْ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْلِمٍ وَقْتَ الْفِعْلِ وَإِنْ صَارَ مُحْصَنًا بَعْدَ إسْلَامِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْإِطْلَاقِ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الرَّجْمِ مِنْ كَوْنِهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الزِّنَا، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ الزِّنَا ثُمَّ صَارَ مُحْصَنًا لَا يُرْجَمُ بَلْ يُجْلَدُ، فَالْمُرَادُ بِهَذَا التَّفْرِيعِ بَيَانُ هَذِهِ الْفَائِدَةِ مَعَ تَأْوِيلِ مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَقْرِيرِ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُرْجَمُ.
وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ ثُمَّ أَسْلَمَ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنْ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَدِّ هُنَا الْجَلْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ ارْتَدَّا ثُمَّ أَسْلَمَا إلَخْ) عَزَاهُ ابْنُ الْكَمَالِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَيَّدَ بِارْتِدَادِهِمَا مَعًا فِي الْفَتْحِ أَيْ لِيَعُودَ النِّكَاحُ بِعَوْدِهِمَا إلَى الْإِسْلَامِ بِلَا تَجَدُّدِ عَقْدٍ آخَرَ.
بَقِيَ لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا: فَفِي النَّهْرِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ لَحِقَتْ الزَّوْجَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً وَسُبِيَتْ لَا يَبْطُلُ إحْصَانُ الزَّوْجِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ إحْصَانُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute