وَغَاصِبُ شَيْءٍ كَيْفَ يَضْمَنُ غَيْرَهُ ... وَلَيْسَ لَهُ فِعْلٌ بِمَا يَتَغَيَّرُ
وَغَاصِبُ نَهْرٍ هَلْ لَهُ مِنْهُ شُرْبُهُ ... وَهَلْ ثَمَّ نَهْرٌ طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرُ
فَصْلٌ (غَيَّبَ) بِمُعْجَمَةٍ (مَا غَصَبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ) لِمَالِكِهِ (مَلَكَهُ) عِنْدَنَا مِلْكًا (مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ) فَتُسَلَّمُ لَهُ الْأَكْسَابُ
ــ
[رد المحتار]
أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسُقْهُ، مَعَهَا لَا يَضْمَنُهُ، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْغَصْبِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَاقُ إلَّا بِسَوْقِهَا كَمَا قَالُوا إذَا غَصَبَ عِجْلًا فَيَبِسَ لَبَنُ أُمِّهِ ضَمِنَهُ مَعَ نُقْصَانِ الْأُمِّ اهـ.
أَقُولُ: إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَخْرِيجَاتِ الْمَشَايِخِ فَمَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَجِيهٌ، وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ وَإِنْ كَانَتْ مَنْقُولَةً عَنْ الْمُجْتَهِدِ فَاتِّبَاعُهُ أَوْجَهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ بِمَا يَتَغَيَّرُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَضْمُونُ وَهُوَ الْجَحْشُ هُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا هَلَكَ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ وَقَدْ ضَمِنَهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ فِعْلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ هَلْ لَهُ مِنْهُ شُرْبُهُ) الْجَوَابُ: نَعَمْ إنْ حَوَّلَ النَّهْرَ عَنْ مَوْضِعِهِ كُرِهَ الشُّرْبُ وَالتَّوَضُّؤُ مِنْهُ لِظُهُورِ أَثَرِ الْغَصْبِ بِالتَّحْوِيلِ، وَإِلَّا لَا لِثُبُوتِ حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ فِيهِمَا ابْنُ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ ثَمَّ نَهْرٌ طَاهِرٌ لَا مُطَهَّرٌ) الْجَوَابُ أَنَّهُ الْفَرَسُ السَّرِيعُ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى نَهْرًا وَبَحْرًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: ٥١] أَيْ الْخَيْلُ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ: إنَّا وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا» ابْنُ الشِّحْنَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ]
فَصْلٌ لَمَّا ذَكَرَ مُقَدَّمَاتِ الْغَصْبِ وَكَيْفِيَّةَ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ بِالضَّمَانِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُصَنِّفِينَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ غَيَّبَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: غَابَ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ عَبْدًا فَأَبَقَ فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ، أَفَادَهُ الطُّورِيُّ وَقَالَ يُعْلَمُ حُكْمُ التَّغْيِيبِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ) أَيْ إنْ شَاءَ الْمَالِكُ التَّضْمِينَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ح (قَوْلُهُ مَلَكَهُ عِنْدَنَا إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا مَرَّ، أَنَّ الْغَصْبَ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبَدَلَ بِكَمَالِهِ وَالْمُبْدَلُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَمْلِكُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ فَتُسَلَّمُ لَهُ الْأَكْسَابُ لَا الْأَوْلَادُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُسْتَنِدًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِالِاسْتِنَادِ نَاقِصٌ يَثْبُتُ مِنْ وَجْهٍ دُونُ وَجْهٍ فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فِي الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ غَيْرُ تَبَعٍ، بِخِلَافِ الْكَسْبِ فَإِنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، فَيَكُونُ تَبَعًا مَحْضًا. أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِكْسَابِ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَالْحُسْنِ وَالسِّمَنِ، وَبِالْوَلَدِ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالدَّرِّ وَالثَّمَرِ، فَلَا تُسَلَّمُ لَهُ إذَا مَلَكَ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَلَا كَذَلِكَ الْمُنْفَصِلَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ، أَوْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute