للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْهِبَةِ

وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ (هِيَ) لُغَةً: التَّفَضُّلُ عَلَى الْغَيْرِ وَلَوْ غَيْرَ مَالٍ. وَشَرْعًا: (تَمْلِيكُ الْعَيْنِ مَجَّانًا) أَيْ بِلَا عِوَضٍ لَا أَنَّ عَدَمَ الْعِوَضِ شَرْطٌ فِيهِ

وَأَمَّا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنْ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ صَحَّتْ لِرُجُوعِهَا إلَى هِبَةِ الْعَيْنِ

(وَسَبَبُهَا إرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْوَاهِبِ) دُنْيَوِيٌّ كَعِوَضٍ وَمَحَبَّةٍ وَحُسْنِ ثَنَاءٍ، وَأُخْرَوِيٌّ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُعَلِّمَ وَلَدَهُ الْجُودَ وَالْإِحْسَانَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ؛ إذْ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ نِهَايَةٌ مَنْدُوبَةٌ وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» .

(وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا فِي الْوَاهِبِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْمِلْكُ) فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ صَغِيرٍ وَرَقِيقٍ، وَلَوْ مُكَاتَبًا.

ــ

[رد المحتار]

الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَارِثِ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ إنْ كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا، وَإِلَّا فَلَا إذَا دَفَعَ لِبَعْضِهِمْ فَوَائِدُ زَيْنِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ.

[كِتَابُ الْهِبَةِ]

(قَوْلُهُ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ مَجَّانًا) زَادَ ابْنُ الْكَمَالِ لِلْحَالِ لِإِخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِلَا عِوَضٍ) أَيْ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، لَكِنَّ هَذَا يَظْهَرُ لَوْ قَالَ: بِلَا عِوَضٍ كَمَا فِي الْكَنْزِ، لِأَنَّ مَعْنَى مَجَّانًا عَدَمُ الْعِوَضِ لَا عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، عَلَى أَنَّهُ اعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: بِلَا عِوَضٍ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْعِوَضِ، وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ نَقِيضُهُ فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ اهـ أَيْ فَلَا يَتِمُّ الْمُرَادُ بِمَا ارْتَكَبَهُ، وَهُوَ شُمُولُ التَّعْرِيفِ لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ خُرُوجُهَا عَنْ التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ أَيْضًا.

قُلْت: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ جُعِلَتْ الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ حَالًا مِنْ " تَمْلِيكٌ " لَزِمَ مَا ذَكَرَ أَمَّا لَوْ جُعِلَ الْمَحْذُوفُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ أَيْ: هِيَ كَائِنَةٌ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعِوَضَ فِيهَا غَيْرُ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلَهُ: شَرْطٌ فِيهِ) وَإِلَّا لَمَا شَمِلَ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ ح.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْعَيْنِ مُخْرِجٌ لِتَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ هِبَةٌ فَيَخْرُجُ عَنْ التَّعْرِيفِ، فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَكُونُ عَيْنًا مَآلًا فَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ فِي التَّعْرِيفِ مَا كَانَ عَيْنًا حَالًا أَوْ مَآلًا، قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا قُبِضَ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ، حَيْثُ كَانَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ الْقَبْضِ، وَعَلَيْهِ تُبْتَنَى مَسْأَلَةُ مَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي هَذِهِ فَتَأَمَّلْ.

بَقِيَ هَلْ الْإِذْنُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ فَلْيُرَاجَعْ، وَلَا تُرَدُّ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْإِبْرَاءِ، وَالْفَرْدُ الْمَجَازِيُّ لَا يُنْقَضُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: صَحَّتْ) أَيْ وَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فِيهِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ وَهَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ فَقَبَضَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ - اسْتِحْسَانًا، فَيَصِيرُ قَابِضًا لِلْوَاهِبِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ، ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ بِالْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ اهـ.

وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ تَصْيِيرَ مَعْلُومِهِ الْمُتَجَمِّدِ لِلْغَيْرِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مَا لَمْ يَأْذَنْهُ بِالْقَبْضِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: صَحَّتْ، وَيَكُونُ وَكِيلًا قَابِضًا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ عَزْلُهُ عَنْ التَّسْلِيطِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ.

(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ) بَيَانٌ لِلْأُخْرَوِيِّ ح (قَوْلُهُ يُعَلِّمَ) بِكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً (قَوْلُهُ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» ) بِفَتْحِ تَاءِ تَهَادَوْا وَهَائِهِ وَدَالِهِ وَإِسْكَانِ وَاوِهِ وَتَحَابُّوا بِفَتْحِ تَائِهِ وَحَائِهِ وَضَمِّ بَائِهِ مُشَدَّدَةً.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكَاتَبًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>