قَبَضَ) بَدَلَ دَرَاهِمِهِ (الْجِيَادِ) الَّتِي كَانَتْ لَهُ عَلَى زَيْدٍ (زُيُوفًا) عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جِيَادٌ (ثُمَّ عَلِمَ) بِأَنَّهَا زُيُوفٌ (يَرُدُّهَا وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ) إنْ كَانَتْ (قَائِمَةً وَإِلَّا فَلَا) يَرُدُّ وَلَا يَسْتَرِدُّ، كَمَا لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَبْضِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً.
(اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ. وَ) عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ أَحَقُّ بِهِ كَمَا (لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ) الْمُشْتَرِي (فَإِنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِهِ) اتِّفَاقًا. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا فَوَجَدَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ» شَرْحُ مَجْمَعِ الْعَيْنِيّ.
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ كَتَصَرُّفِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَنَ كَذَلِكَ يُنْقَضُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَلَا يُنْقَضُ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَزَّازِيَّةٌ وَمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَالْعِتْقِ وَفُرُوعِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً سَوَاءٌ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهَا زُيُوفٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ رَاضِيًا بِهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ رَدٌّ وَلَا اسْتِرْدَادٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ يُرَدُّ مِثْلُ الزُّيُوفِ إلَخْ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ بَاطِلٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الرِّبَا، وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ لِعَدَمِ رِضَاهُ دُرَرٌ. قَالَ: فِي الْحَقَائِقِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ: إنَّ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ حَسَنٌ وَأَدْفَعُ لِلضَّرَرِ وَلِذَا اخْتَرْنَاهُ لِلْفَتْوَى. اهـ. وَكَذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً) فَإِنَّهَا تُرَدُّ اتِّفَاقًا دُرَرٌ؛ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تُرَدُّ وَلَوْ عَلِمَ بِهَا وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ ط.
[مَطْلَبٌ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ]
ُّ (قَوْلُهُ: وَمَاتَ مُفْلِسًا) أَيْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ سَوَاءٌ فَلَّسَهُ الْقَاضِي أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: فَالْبَائِعُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ يَقْتَسِمُونَهُ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِحَبْسِهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَوْ يَبِيعَهُ الْقَاضِي وَيَدْفَعَ لَهُ الثَّمَنَ، فَإِنْ وَفَّى بِجَمِيعِ دَيْنِ الْبَائِعِ فَبِهَا، وَإِنْ زَادَ دَفَعَ الزَّائِدَ لِبَاقِي الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فِيمَا بَقِيَ لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مُطْلَقًا، إذْ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ وَانْتَقَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَحَقَّ مِنْ بَاقِي الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ فِي حَيَاةِ الْمُشْتَرِي فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِجَارَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ غُرَمَائِهِ: أَيْ إذَا كَانَتْ الدَّارُ بِيَدِهِ وَكَانَ قَدْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ وَانْفَسَخَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فَلَهُ حَبْسُ الدَّارِ وَهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ الْأُجْرَةَ وَلَمْ يَقْبِضْ الدَّارَ حَتَّى مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ أُسْوَةً لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَبْسُ الدَّارِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَكَذَا مَا سَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَوْ مَاتَ بَعْدَ فَسْخِهِ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَلَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَأْخُذَ مَالَهُ، هَكَذَا يَنْبَغِي حَلَّ هَذَا الْمَحِلِّ، وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى سُئِلْت عَنْهَا. وَهِيَ: مَا لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ مُفْلِسًا بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِهِ فِي حَيَاتِهِ، بَلْ لِلْمُشْتَرِي جَبْرُهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَا دَامَتْ عَيْنُهُ بَاقِيَةً فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ أَيْضًا، إذْ لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ لَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ، وَمِثْلُهُ الرَّهْنُ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُرْتَهِنِ، وَاَللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute