للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ (هُوَ) لُغَةً: مَا تُعْطِيهِ لِتَتَقَاضَاهُ، وَشَرْعًا: مَا تُعْطِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ لِتَتَقَاضَاهُ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ قَوْلِهِ (عَقْدٌ مَخْصُوصٌ) أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ (يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ) بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ (مِثْلِيٍّ) خَرَجَ الْقِيَمِيُّ (لِآخَرَ لِيَرُدَّ مِثْلَهُ) خَرَجَ نَحْوُ وَدِيعَةٍ وَهِبَةٍ.

(وَصَحَّ) الْقَرْضُ (فِي مِثْلِيِّ) هُوَ كُلُّ مَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ (لَا فِي غَيْرِهِ) مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ كَحَيَوَانٍ وَحَطَبٍ وَعَقَارٍ وَكُلِّ مُتَفَاوِتٍ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمِثْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ كَمَقْبُوضٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ سَوَاءٌ

ــ

[رد المحتار]

بِرَمْزِ بَكْرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ كَانَ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ بِالدَّيْنِ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْأَصِيلِ، وَيَبِيعُهُ بِالْمُرَابَحَةِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ دِينَارًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ بِنَاءً عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ وَلَمْ يَكُنْ اهـ. هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ.

[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

ِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ مِنَحٌ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ ذِكْرُ الْقَرْضِ فِي قَوْلِهِ: وَلَزِمَ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ إلَّا الْقَرْضَ ط (قَوْلُهُ مَا تُعْطِيهِ لِتَتَقَاضَاهُ هـ) أَيْ مِنْ قِيَمِيٍّ أَوْ مِثْلِيٍّ، وَفِي الْمُغْرِبِ تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاسْتَقْضَيْته طَلَبْت قَضَاءَهُ وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي أَخَذْته (قَوْلُهُ وَشَرْعًا مَا تُعْطِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ إلَخْ) فَهُوَ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ لَكِنْ الثَّانِي غَيْرُ مَانِعٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِتَتَقَاضَى مِثْلَهُ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الدَّيْنَ أَعْلَمُ مِنْ الْقَرْضِ (قَوْلُهُ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَقْدٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَفْظٌ، وَلِذَا قَالَ أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ أَيْ كَالدَّيْنِ وَكَقَوْلِهِ: أَعْطِنِي دِرْهَمًا لِأَرُدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ الْقَرْضَ وَغَيْرَهُ، وَلَيْسَ جِنْسًا حَقِيقِيًّا، لِعَدَمِ الْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ قَوْلُهُ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ خَرَجَ بِهِ مَا لَا يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَفِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ كَمَا عَلِمْت فَصَارَ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِآخَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ دَفْعِ (قَوْلُهُ خَرَجَ نَحْوُ وَدِيعَةٍ وَهِبَةٍ) أَيْ خَرَجَ وَدِيعَةٌ وَهِبَةٌ وَنَحْوُهُمَا كَعَارِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ، لِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.

(قَوْلُهُ فِي مِثْلِيٍّ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ أَيْ تَفَاوُتًا تَخْتَلِفُ بِهِ الْقِيمَةُ فَإِنَّ نَحْوَهُ الْجَوْزُ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا يَسِيرًا (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمِثْلِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا فِي غَيْرِهِ: أَيْ لَا يَصِحُّ الْقَرْضُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ ابْتِدَاءً، حَتَّى صَحَّ بِلَفْظِهَا مُعَاوَضَةً انْتِهَاءً، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ، فَيَسْتَلْزِمُ إيجَابَ الْمِثْلِيِّ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَيَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِالْقَبْضِ كَالصَّحِيحِ وَالْمَقْبُوضُ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ يَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ، وَفِي الْقَرْضِ الْجَائِزِ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يُرَدُّ الْمِثْلُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ إعْطَاءُ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَعَارِيَّةُ مَا جَازَ قَرْضُهُ قَرْضٌ وَمَا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ عَارِيَّةٌ اهـ أَيْ قَرْضُ مَا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ عَارِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ لَا مُطْلَقًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ كَمَقْبُوضٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ) أَيْ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا عَلِمْت، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَرْضُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ، حَتَّى لَوْ اسْتَقْرَضَ بَيْتًا فَقَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْيَانِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِشِرَاءِ قِنٍّ بِأَمَةِ الْمَأْمُورِ فَفَعَلَ فَالْقِنُّ لِلْآمِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>