يُجِيزُوا يُجْعَلُ ثُلُثُهَا مَسْجِدًا رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَارِثِ وَالْوَصِيَّةِ (وَبِظَهْرِ مَرْكَبِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَطَلَتْ) لِأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ بَاطِلٌ عِنْدَهُ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزَانِ دُرَرٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ
(أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَجَوَّزَهَا مُحَمَّدٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَفْتَى مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْمُوصِي (يُنْفِقُ عَلَيْهِ) فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا.
(قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ بَطَلَتْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَخْذِ الثُّلُثِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فَأَيُّهُمَا شَاءُوا أَعْطَوْا.
فَصْلٌ فِي وَصَايَا الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ (ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً) أَوْ بَيْتَ نَارٍ (فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بِلَا تَعْيِينِ إنْسَانٍ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا اهـ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزَانِ) أَيْ وَقْفُ الْمَنْقُولِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ وَقْفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَرْكَبَةً وَقْفًا يَكُونُ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إذْ وَقْفُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِلْآثَارِ وَلِلْإِبِلِ حُكْمُ الْكُرَاعِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ.
أَقُولُ: وَجَوَابُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً حَقِيقِيَّةً إذْ هِيَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ كَالْوَصِيَّةِ بِجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا فَإِنَّهَا وَقْفٌ فِي الْمَعْنَى وَوَقْفُ الْمَنْقُولِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ) كَذَا فِي الْغُرَرِ، وَعَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْكَافِي، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي وَصَايَا الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ]
ِ أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ وَصَاحِبِ الْهَوَى وَالْمُرْتَدَّةِ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ سَاقِطَةٌ فِي الْمِنَحِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ بِأَنْ تُغْزَى التُّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ سَوَاءٌ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ لَا.
وَالثَّانِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ أَوْ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا فَقَطْ كَالْحَجِّ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَيَصِحُّ تَمْلِيكًا.
وَالثَّالِثُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَقَطْ كَبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَإِنْ لِمُعَيَّنِينَ جَازَ إجْمَاعًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لِمُعَيَّنِينَ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ إسْرَاجِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا الْإِلْزَامِ فَيَفْعَلُونَ بِهِ مَا شَاءُوا لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ