(وَمِنْهُ) إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ غَلَطًا وَوَافَقَ قَوْلَ مُجْتَهِدٍ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ أَمْضَاهُ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا: يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُ غَلَطٌ وَالْغَلَطُ لَيْسَ بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ (وَمِنْهُ) الْمَدْيُونُ إذَا حُبِسَ لَا يَكُونُ حَبْسُهُ حَجْرًا عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ: حَجْرٌ، فَلَوْ حَكَمَ بِهِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ نَقَضَهُ. وَقَالَا: يُنْفِذُهُ، فَلَوْ حَكَمَ الثَّانِي بِهِ نَفَذَ وَلَا يُنْقَضُ. .
[وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ] إذَا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ يَرَى خِلَافَهُ نَقَضَهُ عِنْدَ الثَّانِي. وَعَنْ الْإِمَامِ لَا لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ (وَمِنْهُ) إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ أَوْ جَدِّهِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ لَا يَرَاهُ أَمْضَاهُ عِنْدَ الثَّانِي، وَيَنْقُضُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (وَمِنْهُ) إذَا تَزَوَّجَ الزَّانِي بِابْنَتِهِ مِنْ الزِّنَا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِحِلِّ ذَلِكَ ثُمَّ رُفِعَ لِمَنْ لَا يَرَاهُ أَبْطَلَهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ النَّاسُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(وَمِنْهُ) رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَلَا وَارِثَ لَهُ، ثُمَّ قَضَى الْقَاضِي بِمِيرَاثِهِ لِلْمُعْتَقِ ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقَضَهُ وَجَعَلَ مَالَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلَا يَلْزَمُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِمَا فَاسْتَوَيَا كَالزَّوْجِيَّةِ،
ــ
[رد المحتار]
وَهَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، بَلْ إنَّمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ قُضِيَ بِجَوَازِ نِكَاحِ مَزْنِيَّةِ الْأَبِ لِلِابْنِ أَوْ الِابْنِ لِلْأَبِ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذْ الْحَادِثَةُ نُصَّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ اهـ ط.
[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَخْ) فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ: لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا نَفَذَ عِنْدَهُ. وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَالْوَجْهُ الْآنَ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونَ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ حَجْرٌ) أَيْ الْحَبْسُ حَجْرٌ ط. قُلْت: وَالْقَاسِمُ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَخَذَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَمَا فِي طَبَقَاتِ عَبْدِ الْقَادِرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ حَكَمَ الثَّانِي) أَيْ الْحَاكِمُ الثَّانِي بِأَنَّهُ حَجْرٌ نَفَذَ وَلَا يُنْقَضُ، مُفَادُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
(قَوْلُهُ: إذَا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) قَالَ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَنْفُذُ، وَفِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْإِمَامِ لَا) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ النَّاسُ) أَيْ يَعُدُّونَهُ أَمْرًا شَنِيعًا لِأَنَّهَا بِنْتُهُ حَقِيقَةً وَلُغَةً لِوُجُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَطَعَ الشَّرْعُ نِسْبَتَهَا إلَيْهِ فَقَطْ، إذْ الْجُزْئِيَّةُ لَا تَنْتَفِي بِالزِّنَا ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَمُقْتَضَى عَدِّهِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُودُ الْخِلَافِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ بِفَتْحِهَا ط (قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) لِأَنَّ إنَّمَا تُفِيدُ قَصْرَ الْوَلَاءِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْوَلَاءِ الْإِرْثُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ لَا يَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ كَذَلِكَ: أَيْ إنَّهُ يَكُونُ إرْثُهُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَقَطْ كَمَا قُلْنَا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لِأَنَّهُ: أَيْ الْوَلَاءَ الْمَفْهُومَ مِنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَعْقِدَ رَجُلَانِ مَجْهُولَا النَّسَبِ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَهَذَا الْعَقْدُ قَائِمٌ بِهِمَا أَيْ وُجِدَ مِنْهُمَا فَيَتَوَارَثَانِ بِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ وَهُوَ قَائِمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute