وَلَوْ قَالَ: كَظَهْرِ أُمِّي رَمَضَانَ كُلَّهُ وَرَجَبًا كُلَّهُ اتَّحَدَ اسْتِحْسَانًا، وَيَصِحُّ تَكْفِيرُهُ فِي رَجَبٍ لَا فِي شَعْبَانَ كَمَنْ ظَاهَرَ، وَاسْتَثْنَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا، إنْ كَفَّرَ فِي يَوْمِ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَبَحْرٌ.
بَابُ الْكَفَّارَةِ
اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِهَا. وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ (هِيَ) لُغَةً مِنْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ الذَّنْبَ: مَحَاهُ -.
ــ
[رد المحتار]
كَقَوْلِهِ: كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ تَكْفِيرُهُ فِي رَجَبٍ) وَكَذَا فِي رَمَضَانَ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لَا فِي شَعْبَانَ) لِأَنَّ لَهُ وَطْأَهَا فِيهِ بِلَا كَفَّارَةٍ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مُدَّةِ الظِّهَارِ وَالْكَفَّارَةُ لِاسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ الْمَمْنُوعِ شَرْعًا عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ فَلَا تَجِبُ قَبْلَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ وَطِئَهَا فِي رَجَبٍ، أَوْ لَا لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَيَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ، وَلُزُومُ التَّكْفِيرِ بِالظِّهَارِ السَّابِقِ لَا بِالْوَطْءِ، فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ فِي غَيْرِ مُدَّتِهِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا قَبْلَهُ، أَوْ لَا فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[بَاب كَفَّارَة الظِّهَار]
بَابُ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِهَا) أَيْ سَبَبِ وُجُوبِهَا، أَمَّا سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَمَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ وَهُوَ إسْلَامُهُ وَعَهْدُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَعْصِيَهُ، وَإِذَا عَصَاهُ تَابَ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلتَّكْفِيرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ) أَيْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْهَا، وَقِيلَ الظِّهَارُ فَقَطْ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ لِأَنَّ سَبَبَهَا مَا تُضَافُ إلَيْهِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ الْعَزْمُ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ. مَطْلَبٌ: لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ
وَفِي الْبَحْرِ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ ظِهَارٌ، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ: لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَارَةِ الَّتِي حُكْمُهَا أَنْ تُكَفَّرَ الْمَعْصِيَةُ وَتَذْهَبَ السَّيِّئَةُ، خُصُوصًا إذَا صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْجَنَّةِ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ: مَنْ كَفَّرَ) بَيَانٌ لِمَادَّةِ الِاشْتِقَاقِ لَا لِلْمُشْتَقِّ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْمَصْدَرُ لَا الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: مَحَاهُ) كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَالْأَنْسَبُ سَتَرَهُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا مُنْبِئَةٌ عَنْ السَّتْرِ لُغَةً، لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ اهـ وَمِنْهُ سُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُمْحَى مِنْ الصَّحِيفَةِ بَلْ تُسْتَرُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا فِيهَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّ الذَّنْبَ يَسْقُطُ بِهَا بِدُونِ تَوْبَةٍ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [تَنْبِيهٌ]
رُكْنُ الْكَفَّارَةِ الْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ مِنْ إعْتَاقٍ وَصِيَامٍ وَإِطْعَامٍ. وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَلِصِحَّتِهَا النِّيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِفِعْلِهَا لَا الْمُتَأَخِّرَةُ، وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ، لَكِنَّ الذِّمِّيَّ مَصْرِفٌ لَهَا أَيْضًا دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. وَصِفَتُهَا أَنَّهَا عُقُوبَةٌ وُجُوبًا عِبَادَةٌ أَدَاءً. وَحُكْمُهَا سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ الذِّمَّةِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ الْمُقْتَضِي لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَيَتَضَيَّقُ مِنْ آخِرِ عُمُرِهِ، فَيَأْثَمُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ أَدَائِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِلَا وَصِيَّةٍ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهَا جَازَ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute