لَكِنْ عَلَّلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ اهـ فَتَدَبَّرْهُ. إذْ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ بِالْقَتْلِ خَطَأً لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ إقْرَارًا عَلَى الْعَاقِلَةِ: أَيْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَكَذَا قَرَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْمَعَاقِلِ فَتَنَبَّهْ.
(رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ السَّهْمُ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَمَاتَا يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ عَمْدٌ (وَلِلثَّانِي الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهُ خَطَأٌ.
(وَقَعَتْ حَيَّةٌ عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ فَسَقَطَتْ عَلَى آخَرَ فَدَفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ فَوَقَعَتْ عَلَى ثَالِثٍ فَلَسَعَتْهُ) أَيْ الثَّالِثَ (فَهَلَكَ) فَعَلَى مَنْ الدِّيَةُ؟ هَكَذَا سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ، فَقَالَ: لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَيَّةَ لَمْ تَضُرَّ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لَوْ كَثُرُوا وَأَمَّا الْأَخِيرُ (فَإِنْ لَسَعَتْهُ مَعَ سُقُوطِهَا) فَوْرًا (مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ فَعَلَى الدَّافِعِ الدِّيَةُ) لِوَرَثَةِ الْهَالِكِ (وَإِلَّا) تَلْسَعْهُ فَوْرًا (لَا) يَضْمَنُ دَافِعُهَا عَلَيْهِ أَيْضًا فَاسْتَصْوَبُوهُ جَمِيعًا، وَهَذِهِ مِنْ مَنَاقِبِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَيْرَفِيَّةٌ وَمَجْمَعُ الْفَتَاوَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ أَجَبْت فِي حَادِثَةِ الْفَتْوَى، وَهِيَ أَنَّ كَلْبًا عَقُورًا وَقَعَ عَلَى آخَرَ فَأَلْقَاهُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فُرُوعٌ] أَلْقَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي الطَّرِيقِ فَلَدَغَتْ رَجُلًا ضَمِنَ إلَّا إذَا تَحَوَّلَتْ ثُمَّ لَدَغَتْهُ.
وَضَعَ سَيْفًا فِي الطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَمَاتَ وَكَسَرَ السَّيْفَ فَدِيَتُهُ عَلَى رَبِّ السَّيْفِ وَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاثِرِ.
ــ
[رد المحتار]
لَا بِإِقْرَارِهِ أَصْلًا، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لَكِنْ عَلَّلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) أَيْ عَلَّلَ عَدَمَ جَوَازِ إقْرَارِهِ الْعَبْدِ بِالْخَطَأِ وَالْمُرَادُ بِالْعَاقِلَةِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَاقِلَةُ عَبْدِهِ، وَحَيْثُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ عَاقِلَةً فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يُفِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِهِ خِلَافًا لِمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ بَاطِلٌ أَصْلًا، وَبِهِ ظَهَرَ وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَتَدَبَّرْهُ) أَيْ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْمُجْمَعِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ الْعَوَاقِلَ إذَا كَانَتْ لَا تَعْقِلُ عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُ الْعَبْدِ هُنَا مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَوْلَى، إذْ لَوْ جَازَ إقْرَارُهُ لَزِمَ عَقْلُ الْعَبْدِ وَالِاعْتِرَافُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ بَيَانُ مَعْنَى الْحَدِيثِ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالرَّمْيِ حَيْثُ قَصَدَ غَيْرَهُ وَلَكِنَّهُ أَصَابَهُ بِالنَّفَاذِ مِنْ الْأَوَّلِ: وَهُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْقَوَدِ، فَصَارَ كَمَنْ قَصَدَ صَيْدًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَتْقَانِيٌّ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَهُمَا مَعًا كَانَ الثَّانِي عَمْدًا أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لَوْ كَثُرُوا) أَيْ الدَّافِعُونَ (قَوْلُهُ فَعَلَى الدَّافِعِ الدِّيَةُ) أَيْ عَلَى الدَّافِعِ الْأَخِيرِ الدِّيَةُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ مِنْ مَنَاقِبِهِ) فَإِنَّ فُقَهَاءَ زَمَانِهِ أَخْطَئُوا فِيهَا مِنَحٌ
[فروع أَلْقَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي الطَّرِيقِ فَلَدَغَتْ رَجُلًا]
(قَوْلُهُ فَلَدَغَتْ رَجُلًا) بِالْمُهْلَةِ فَالْمُعْجَمَةِ: يُقَالُ لَدَغَتْهُ الْعَقْرَبُ وَالْحَيَّةُ كَمَنَعَ لَدْغًا وَتَلْدَاغًا، وَيُقَالُ لَذَعَتْهُ النَّارُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَأَمَّا بِالْمُعْجَمَتَيْنِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ ضَمِنَ) مُقْتَضَى جَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ تَقَيُّدَ هَذِهِ بِاللَّدْغِ فَوْرًا، أَمَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً بَعْدَ الْإِلْقَاءِ ثُمَّ لَسَعَتْ لَا يَضْمَنُ فَتَدَبَّرْهُ ط.
قُلْت: وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَلَدَغَتْ حَيْثُ عَبَّرُوا بِالْفَاءِ، وَلَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ أَلْقَاهَا عَلَى رَجُلٍ، فَلَوْ فِي الطَّرِيقِ فَقَدْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَيْ أَلْقَى حَيَّةً فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ حَتَّى تَزُولَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ اهـ
(قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى رَبِّ السَّيْفِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاثِرِ) زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بَعْدَهُ فَقَالَ: وَإِنْ عَثَرَ بِالسَّيْفِ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ فَانْكَسَرَ وَمَاتَ الرَّجُلُ ضَمِنَ صَاحِبُ السَّيْفِ دِيَةَ الْعَاثِرِ وَلَا يَضْمَنُ