فَصْلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ (أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعُ سِنِينَ (وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) إجْمَاعًا (فَيَثْبُتُ نَسَبُ) وَلَدِ (مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ) وَلَوْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا بَدَائِعُ، وَفَاسِدُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ كَصَحِيحِهِ قُهُسْتَانِيٌّ.
(وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ) وَلَوْ لِعِشْرِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ لِاحْتِمَالِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَعُلُوقِهَا فِي الْعِدَّةِ (مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ) وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ (وَكَانَتْ) الْوِلَادَةُ (رَجْعَةً) لَوْ (فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا) .
ــ
[رد المحتار]
[فَصْلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ]
أَيْ فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ وَمَا لَا يَثْبُتُ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْمُعْتَدَّاتِ ذَكَرَ مَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِدَادِ ذَوَاتِ الْحَمْلِ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ، وَهُوَ مَصْدَرُ " نَسَبَهُ " إلَى أَبِيهِ. (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ عَائِشَةَ) هُوَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا أَنَّهَا قَالَتْ «مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عَمُودِ الْمِغْزَلِ» وَفِي لَفْظٍ «لَا يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ» إلَخْ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِلْقِلَّةِ لِأَنَّهُ حَالَ الدَّوَرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ. (قَوْلُهُ: أَرْبَعُ سِنِينَ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً كُلَّ بَطْنٍ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَ صِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَى الشَّارِعِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْخَطَأُ، بِخِلَافِ الْحِكَايَةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مَالِكٍ يُحْتَمَلُ خَطَؤُهَا، وَكَوْنُ دَمِهَا انْقَطَعَ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَيَجُوزُ أَنَّهَا امْتَدَّ طُهْرُهَا سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ حَبِلَتْ وَلَوْ وَجَدَتْ حَرَكَةً فِي الْبَطْنِ مَثَلًا فَلَيْسَ قَطْعًا فِي الْحَمْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا) أَيْ لِظَنِّ إيَاسِهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِوِلَادَتِهَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ.
قُلْت: وَهَذَا تَعْمِيمٌ لِلْمُعْتَدَّةِ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ فِي الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَشْهُرِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهَا، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ مُطْلَقًا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ أَقَرَّتْ ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْيَأْسُ حُمِلَ إقْرَارُهَا عَلَى الِانْقِضَاءِ بِالْأَقْرَاءِ حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ اهـ مِنْ الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا، وَاخْتَصَرَهُ فِي الْبَحْرِ اخْتِصَارًا مُخِلًّا. (قَوْلُهُ: وَفَاسِدُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ كَصَحِيحِهِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُمْ، إذَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا كَانَ رَجْعَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُوجِبُ الرَّجْعَةَ فَتَأَمَّلْ ح. وَأَجَابَ ط بِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ لَا لِلرَّجْعَةِ. قَالَ: ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيهِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمُفَارَقَةِ لَا لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَيُحَرَّرُ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِهَا اهـ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَهْرِ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ) أَيْ تَحْتَمِلُ الْمُضِيَّ، وَهَذَا الْقَيْدُ لِمَفْهُومِ الْمَتْنِ لَا لِمَنْطُوقِهِ لِأَنَّ عَدَمَ إقْرَارِهَا بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فِيمَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِاحْتِمَالِ الْمُضِيِّ.
وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ بِأَنْ تَكُونَ سِتِّينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ كَذِبُهَا، وَكَذَا هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلِأَقَلَّ يَثْبُتُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute