بَابُ الْهَدْيِ (هُوَ) فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ (مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ) مِنْ النَّعَمِ (لِيُتَقَرَّبَ بِهِ) فِيهِ (أَدْنَاهُ شَاةٌ، وَهُوَ إبِلٌ) ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ (وَبَقَرٌ) ابْنُ سَنَتَيْنِ (وَغَنَمٌ) ابْنُ سَنَةٍ (وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) بَلْ يُنْدَبُ فِي دَمِ الشُّكْرِ (وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا) كَمَا سَيَجِيءُ،
ــ
[رد المحتار]
وَتَوْضِيحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا فَاحْفَظْهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، وَبَقِيَ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ تُعْلَمُ مِنْ الْفَتْحِ وَاللُّبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْهَدْيِ]
ِ لَمَّا دَارَ ذِكْرُ الْهَدْيِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ نُسُكًا وَجَزَاءً اُحْتِيجَ إلَى بَيَانِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ابْنُ كَمَالٍ، وَيُقَالُ فِيهِ هَدِيٌّ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى فَعِيلٍ الْوَاحِدُ هَدِيَّةٌ كَمَطِيَّةٍ وَمَطِيٍّ وَمَطَايَا مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ مَا يُهْدَى) مَأْخُوذٌ مِنْ الْهَدِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْهُدَى لَا مِنْ الْهَدْيِ، وَإِلَّا لَزِمَ ذِكْرُ الْمُعَرَّفِ فِي التَّعْرِيفِ، فَيَلْزَمُ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ ح. قُلْت: لَوْ أُخِذَ مِنْ الْهَدْيِ يَكُونُ تَعْرِيفًا لَفْظِيًّا وَهُوَ سَائِغٌ ط. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إلَى الْحَرَمِ عَمَّا يُهْدَى إلَى غَيْرِهِ نَعَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَبِقَوْلِهِ مِنْ النَّعَمِ عَمَّا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ النَّعَمِ، فَإِطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْهَدْيِ عَلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ بَحْرٌ، وَبِقَوْلِهِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ أَيْ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ: أَيْ فِي الْحَرَمِ عَمَّا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ هَدِيَّةً لِرَجُلٍ. وَأَفَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ أَيْ وَلَوْ دَلَالَةً. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: الْوَاحِدُ مِنْ النَّعَمِ يَكُونُ هَدْيًا بِجَعْلِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، وَهِيَ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِسَوْقِ بَدَنَةٍ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ نِيَّةَ الْهَدْيِ ثَابِتَةٌ عُرْفًا لِأَنَّ سَوْقَ الْبَدَنَةِ إلَى مَكَّةَ فِي الْعُرْفِ يَكُونُ لِلْهَدْيِ لَا لِلرُّكُوبِ وَالتِّجَارَةِ، قَالَ: وَأَرَادَ السَّوْقَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ لَا مُجَرَّدَ السَّوْقِ (قَوْلُهُ أَدْنَاهُ شَاةٌ) أَيْ وَأَعْلَاهُ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَفِي حُكْمِ الْأَدْنَى سُبْعُ بَدَنَةٍ شَرْحُ اللُّبَابِ.
وَأَفَادَ بِبَيَانِ الْأَدْنَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ، وَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا لَزِمَهُ؛ وَلَوْ أَهْدَى قِيمَتَهَا جَازَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى لَا وَهِيَ الْأَرْجَحُ، وَلَا كَلَامَ فِيمَا لَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُرَاقُ دَمُهُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ، فَلَوْ عَقَارًا تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ التَّصَدُّقِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ إلَخْ) بَيَانٌ لِأَدْنَى السِّنِّ الْجَائِزِ فِي الْهَدْيِ وَهُوَ الثَّنِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسٌ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ، وَمِنْ الْبَقَرِ مَا طَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ، وَمِنْ الْغَنَمِ مَا طَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْغَنَمِ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَا يُجَوِّزُونَ الثَّنِيَّ إلَّا الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّنَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ عَظِيمًا وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ خُلِطَ بِالثَّنَايَا اشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ مِنْهَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الذَّهَابُ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ أَوْ تَشْهِيرُهُ بِالتَّقْلِيدِ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ) أَيْ التَّعْرِيفُ بِمَعْنَيَيْهِ ح، لَكِنَّ الشَّاةَ لَا يُنْدَبُ تَقْلِيدُهَا. وَفِي اللُّبَابِ: وَيُسَنُّ تَقْلِيدُ بُدْنِ الشُّكْرِ دُونَ بُدْنِ الْجَبْرِ، وَحَسُنَ الذَّهَابُ بِهَدْيِ الشُّكْرِ إلَى عَرَفَةَ. اهـ. فَعَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِالْبُدْنِ لِيُخْرِجَ الشَّاةَ، وَفِي الثَّانِي بِالْهَدْيِ لِيُدْخِلَهَا فِيهِ.
وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ وَالثَّانِيَ مَنْدُوبٌ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ إجْمَالٌ (قَوْلُهُ فِي دَمِ الشُّكْرِ) أَيْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَكَذَا يُقَلَّدُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ؛ وَلَوْ قُلِّدَ دَمُ الْإِحْصَارِ وَالْجِنَايَةِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا) كَذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَخْتَصَّانِ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ. اهـ. فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ فَيَجُوزُ هُنَا مَا يَجُوزُ ثَمَّةَ وَلَا يَجُوزُ هُنَا مَا لَا يَجُوزُ ثَمَّةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute