للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا سَيَجِيءُ.

بَابُ الْقِرَانِ وَهُوَ أَفْضَلُ

ــ

[رد المحتار]

بَدَنَةَ تَطَوُّعٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ ثُمَّ تَوَجَّهَ مَعَهُ يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ إلَخْ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ التَّقْلِيدِ أَوَّلَ بَابِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا فَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ الْهَدْيِ، وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[بَابُ الْقِرَانِ]

أَخَّرَهُ عَنْ الْإِفْرَادِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِفْرَادِ (قَوْلُهُ هُوَ أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ التَّمَتُّعِ وَكَذَا مِنْ الْإِفْرَادِ بِالْأَوْلَى، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. وَعِنْدَ الثَّانِي هُوَ وَالتَّمَتُّعُ سَوَاءٌ قُهُسْتَانِيُّ، وَالْكَلَامُ فِي الْآفَاقِيِّ، وَإِلَّا فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي، وَعِنْدَ مَالِكٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْإِفْرَادُ أَيْ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِإِحْرَامٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا جُزِمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ أَمَّا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ.

وَفِي الْبَحْرِ: وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: حَجَّةٌ كُوفِيَّةٌ وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ فَلَيْسَ بِمُوَافِقٍ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يُفَضِّلُ الْإِفْرَادَ مُطْلَقًا وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا فَضَّلَهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى سَفَرَيْنِ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي حَجَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ وَأَوْسَعُهُمْ نَفَسًا فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ اهـ. وَرَجَّحَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا، إذْ بِتَقْدِيرِهِ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، بِأَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا، وَمَنْ رَوَى الْقِرَانَ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِهِمَا، وَالْأَمْرُ الْآتِي لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ امْتِثَالِ مَا أَمَرَ بِهِ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ، وَقَدْ أَطَالَ فِي الْفَتْحِ فِي بَيَانِ تَقْدِيمِ أَحَادِيثِ الْقِرَانِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ]

اخْتَارَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ فِي مَنْسَكِهِ التَّمَتُّعَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَأَسْهَلُ مِنْ الْقِرَانِ، لِمَا عَلَى الْقَارِنِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ، لِمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ مِنْ الدَّمَيْنِ، وَهُوَ أَحْرَى لِأَمْثَالِنَا لِإِمْكَانِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى صِيَانَةِ إحْرَامِ الْحَجِّ مِنْ الرَّفَثِ وَنَحْوِهِ فَيُرْجَى دُخُولُهُ فِي الْحَجِّ الْمَبْرُورِ الْمُفَسَّرِ بِمَا لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَارِنَ وَالْمُفْرِدَ يَبْقَيَانِ مُحْرِمَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَقَلَّمَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى الِاحْتِرَازِ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ سِيَّمَا الْجِدَالُ مَعَ الْخَدَمِ وَالْجِمَالِ، وَالْمُتَمَتِّعُ إنَّمَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ فِي ذَيْنِك الْيَوْمَيْنِ فَيَسْلَمُ حَجُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشِّهَابُ أَحْمَدُ الْمَنِينِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْقِرَانَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ، لَكِنْ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مَا يَجْعَلُهُ مَرْجُوحًا، فَإِذَا دَار الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يَقْرِنَ وَلَا يَسْلَمُ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَمَتَّعَ وَيَسْلَمَ عَنْهَا، فَالْأَوْلَى التَّمَتُّعُ لِيَسْلَمَ حَجُّهُ وَيَكُونُ مَبْرُورًا لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ. اهـ.

قُلْت: وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرٍ حَاجٍّ مِنْ تَفْضِيلِهِ تَأْخِيرَ الْإِحْرَامِ إلَى آخِرِ الْمَوَاقِيتِ لِمِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ» إلَخْ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ حَاجًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>