كِتَابُ الْوَكَالَةِ مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاهِدِ وَالْوَكِيلِ سَاعٍ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِ غَيْرِهِ (التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف: ١٩] «- وَوَكَّلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ أُضْحِيَّةٍ» ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَهُوَ خَاصٌّ وَعَامٌّ
ــ
[رد المحتار]
[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]
قَوْلُهُ التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ) لَمْ يَذْكُرْ مَا يَصِيرُ بِهِ وَكِيلًا وَلَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ، وَحَرَّرْتُهُ فِي بُيُوعِ تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ.
قَالَ مُجَرِّدُ هَذِهِ الْحَوَاشِي: ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَامِدِيَّةِ فِي الْخِيَارَاتِ سُؤَالًا طَوِيلًا وَذَيَّلَهُ بِالْفَرْقِ، وَهَا أَنَا أَذْكُرُ السُّؤَالَ مِنْ أَصْلِهِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سُئِلَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ نِصْفَ أَغْنَامٍ مَعْلُومَةٍ وَلَمْ يَرَهَا وَوَكَّلَ زَيْدًا بِقَبْضِهَا وَرَآهَا زَيْدٌ وَيَزْعُمُ الرَّجُلُ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ إذَا رَآهَا، وَإِنْ رَآهَا وَكِيلُهُ بِالْقَبْضِ فَهَلْ نَظَرُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مُسْقِطٌ خِيَارَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ؟ الْجَوَابُ نَعَمْ، وَكَفَى رُؤْيَةُ وَكِيلِ قَبْضٍ وَوَكِيلِ شِرَاءٍ لَا رُؤْيَةُ رَسُولِ الْمُشْتَرِي تَنْوِيرٌ مِنْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَنَظَرُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ: أَيْ قَبْضِ الْمَبِيعِ مُسْقِطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِيَارَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، يَعْنِي كَمَا أَنَّ نَظَرَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُسْقِطُ خِيَارَهُ.
وَقَالَا: هُوَ كَالرَّسُولِ، يَعْنِي: نَظَرُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِ الرَّسُولِ فِي أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ، قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالرُّؤْيَةِ لَا تَكُونُ رُؤْيَتُهُ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ابْنُ مَلَكٍ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُتُونِ وَأَطَالَ فِيهَا فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ
وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِ مَا اشْتَرَيْتُهُ وَمَا رَأَيْتُهُ كَذَا فِي الدُّرَرِ.
أَقُولُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ وَهُوَ لَازِمٌ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمِعْرَاجِ: قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالرَّسُولُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُرْسِلِ.
وَفِي الْفَوَائِدِ: صُورَةُ التَّوْكِيلِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ، كُنْ وَكِيلًا فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ وَكَّلْتُكَ بِقَبْضِهِ.
وَصُورَةُ الرَّسُولِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي فِي قَبْضِهِ أَوْ أَرْسَلْتُكَ لِتَقْبِضَهُ أَوْ قُلْ لِفُلَانٍ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إلَيْكَ، وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ، بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ الْمَبِيعَ فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ، وَكَتَبْتُ فِيمَا عَلَّقْتُهُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْفَوَائِدِ إلَخْ لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ، فَالرَّسُولُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُرْسِلِهِ، لِمَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا كَالرَّسُولِ، حَتَّى لَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ، وَمَا فِي الْفَوَائِدِ بَيَانٌ لِمَا يَصِيرُ بِهِ الْوَكِيلُ وَكِيلًا وَالرَّسُولُ رَسُولًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا بِأَلْفَاظِ الْوَكَالَةِ، وَيَصِيرُ رَسُولًا بِأَلْفَاظِ الرِّسَالَةِ وَبِالْأَمْرِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ: افْعَلْ كَذَا وَأَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا تَوْكِيلٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: دَفَعَ لَهُ أَلْفًا وَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِهَا أَوْ بِعْ أَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِهَا أَوْ بِعْ وَلَمْ يَقُلْ لِي كَانَ تَوْكِيلًا، وَكَذَا اشْتَرِ بِهَذَا الْأَلْفِ جَارِيَةً، وَأَشَارَ إلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ مَشُورَةً وَالشِّرَاءُ لِلْمَأْمُورِ إلَّا إذَا زَادَ، عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ لِأَجْلِ شِرَائِكَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَجْرِ لَهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِنَابَةِ اهـ.
وَأَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَمْرٍ تَوْكِيلًا بَلْ لَا بُدَّ مِمَّا يُفِيدُ كَوْنَ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْآمِرِ فَلْيُحْفَظْ اهـ. هَذَا جَمِيعُ مَا كَتَبَهُ نَقَلْتُهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(قَوْلُهُ وَوَكَّلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ حَكِيمٍ وَقَالَ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا