حَصَلَ بِالْأَوَّلِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ فَخَاصَمَهُ حُدَّ ثَانِيًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَفَادَ تَقْيِيدُهُ بِالْحَدِّ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَتَعَدَّدُ أَلْفَاظُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ.
[فَرْعٌ]
عَايَنَ الْقَاضِي رَجُلًا زَنَى أَوْ شَرِبَ لَمْ يَحُدَّهُ اسْتِحْسَانًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحُدُّهُ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقَوَدِ. قُلْنَا: الِاسْتِيفَاءُ لِلْقَاضِي وَهُوَ مَنْدُوبٌ لِلدَّرْءِ بِالْخَبَرِ فَلَحِقَهُ التُّهْمَةُ حَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ.
بَابُ التَّعْزِيرِ (هُوَ) لُغَةً التَّأْدِيبُ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ الْقَامُوسِ إنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى ضَرْبِهِ دُونَ الْحَدِّ غَلَطٌ نَهْرٌ.
ــ
[رد المحتار]
شَخْصًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِي الْقَذْفِ الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا حُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ بِالزِّنَا الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ لِحَمْلِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ بِالْقَذْفِ يُكَرِّرُ كَلَامَهُ بَعْدَ الْقَذْفِ لِإِظْهَارِ صِدْقِهِ فِيمَا حُدَّ بِسَبَبِهِ كَمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرَةَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لَزَانٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ زِنًا آخَرَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا يُنَافِي مَا فِي الْفَتْحِ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْرَاكِ بِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ انْتِفَاءِ الْحَدِّ ثَانِيًا حَيْثُ اتَّحَدَ الْمَقْذُوفُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ يُحَدُّ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا قَذَفَ شَخْصًا بِالزِّنَا فَحُدَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْمَقْذُوفِ مَيِّتَةً وَكَانَ الطَّلَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَذْفٌ لِأُمِّهِ، وَكَذَا يُحَدُّ بِالْأُولَى لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً فَخَاصَمَتْهُ (قَوْلُهُ إنَّ التَّعْزِيرَ يَتَعَدَّدُ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ ط وَالْمُرَادُ التَّعْزِيرُ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابِ الْآتِي وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ
[فَرْعٌ عَايَنَ الْقَاضِي رَجُلًا زَنَى أَوْ شَرِبَ]
(قَوْلُهُ قُلْنَا) أَيْ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ أَنَّ حَدَّ الزِّنَا أَوْ الشُّرْبِ لَيْسَ لَهُ مُطَالِبٌ مَخْصُوصٌ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ لِلْقَاضِي ابْتِدَاءً وَالْقَاضِي مَنْدُوبٌ أَيْ مَأْمُورٌ بِالدَّرْءِ: أَيْ دَرْءِ الْحَدِّ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الشَّاهِدِ لِلْخَبَرِ وَهُوَ حَدِيثُ «مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً» فَإِذَا أَعْرَضَ الْقَاضِي عَمَّا نُدِبَ إلَيْهِ وَأَرَادَ اسْتِيفَاءَهُ لَحِقَتْهُ تُهْمَةٌ بِذَلِكَ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقَوَدِ فَإِنَّ لَهُ مُطَالِبًا وَهُوَ الْمَقْذُوفُ وَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ، حَتَّى قِيلَ إنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ لِصَاحِبِهِ كَالْقِصَاصِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْقَاضِي تُهْمَةٌ فِيهِ، فَكَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ شَرْطًا لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بَلْ لِلتَّمْكِينِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحِلِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ التَّعْزِيرِ]
ِ لَمَّا ذَكَرَ الزَّوَاجِرَ الْمُقَدَّرَةَ شَرَعَ فِي غَيْرِ الْمُقَدَّرَةِ، وَأَخَّرَهَا لِضَعْفِهَا، وَأَلْحَقَهُ بِالْحُدُودِ مَعَ أَنَّ مِنْهُ مَحْضَ حَقِّ الْعَبْدِ لِمَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً التَّأْدِيبُ مُطْلَقًا) أَيْ بِضَرْبٍ وَغَيْرِهِ دُونَ الْحَدِّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَيُطْلَقُ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، وَمِنْهُ - {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: ٩]- فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ (قَوْلُهُ غَلَطٌ) لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ إذْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، فَكَيْفَ نُسِبَ لِأَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ. وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاحِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ بِالضَّرْبِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ ضَرْبُ مَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الضَّرْبِ دُونَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ، فَهُوَ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا الْمَنْقُولَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهَا وَزِيَادَةٍ، وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ مُهِمَّةٌ تَفَطَّنَ لَهَا صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَغَفَلَ عَنْهَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَهُوَ غَلَطٌ يَتَعَيَّنُ التَّفَطُّنُ لَهُ. اهـ. نَهْرٌ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَلْفَاظَ اللُّغَوِيَّةَ فَقَطْ، بَلْ يَذْكُرُ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةَ وَالِاصْطِلَاحِيَّة وَكَذَا الْأَلْفَاظَ الْفَارِسِيَّةَ تَكْثِيرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute