للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَرْعًا (تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) لَوْ بِالضَّرْبِ

، وَجَعَلَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ

ــ

[رد المحتار]

لِلْفَوَائِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كِتَابَةَ مَوْضُوعٍ لِبَيَانِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، فَحَيْثُ ذَكَرَ غَيْرَهَا كَانَ عَلَيْهِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُوقِعَ النَّاظِرَ فِي الِاشْتِبَاهِ (قَوْلُهُ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ أَنَّ الْحَدَّ مُقَدَّرٌ وَالتَّعْزِيرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَالتَّعْزِيرَ يَجِبُ مَعَهَا، وَأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالتَّعْزِيرَ شُرِعَ عَلَيْهِ.

وَالرَّابِعُ أَنَّ الْحَدَّ يُطْلَقُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالتَّعْزِيرَ يُسَمَّى عُقُوبَةً لَهُ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ شُرِعَ لِلتَّطْهِيرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَزَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْحَدَّ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ وَالتَّعْزِيرَ يَفْعَلُهُ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى وَكُلُّ مَنْ رَأَى أَحَدًا يُبَاشِرُ الْمَعْصِيَةَ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ يُعْمَلُ فِي الْحَدِّ لَا فِي التَّعْزِيرِ، وَأَنَّهُ يُحْبَسُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فِي الْحَدِّ لَا فِي التَّعْزِيرِ، وَأَنَّ الْحَدَّ لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ وَأَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَهِيَ عَشَرَةٌ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ غَيْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) لِحَدِيثِ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» وَحَدُّ الرَّقِيقِ أَرْبَعُونَ فَنَقَصَ عَنْهُ سَوْطًا. وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ أَقَلَّ حُدُودِ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ فَنَقَصَ سَوْطًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ تَنْقِيصُ خَمْسَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ.

وَيَجِبُ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ لَكِنَّهُ غَرِيبٌ عَنْ عَلِيٍّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْثَرُهُ فِي الْعَبْدِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا؛ وَفِي الْحُرِّ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِهِ نَأْخُذُ تَرْجِيحٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَرْجِيحُ قَوْلِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا الَّذِي عَلَيْهِ مُتُونُ الْمَذْهَبِ مَعَ نَقْلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَلِذَا لَمْ يُعَوِّلْ الشَّارِحُ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَرَّبُ كُلُّ جِنْسٍ إلَى جِنْسِهِ، فَيُقَرَّبُ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ أَوْ الْمُحْصَنِ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صَرْفًا لِكُلِّ نَوْعٍ إلَى نَوْعِهِ: وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ التَّعْزِيرِ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ فَيَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يُقِيمُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا تَفَاصِيلَهُ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى زَيْلَعِيٌّ، وَنَحْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ رَأَى أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ اكْتَفَى بِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ. وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُكْمِلُ لَهُ ثَلَاثَةً لِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ، فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ أَقَلُّهُ، إذْ لَيْسَ وَرَاءَ الْأَقَلِّ شَيْءٌ ثَمَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْزَجِرُ بِعِشْرِينَ كَانَتْ أَقَلَّ مَا يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ نَقْصُهُ عَنْهَا، فَلَوْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ صَارَ أَكْثَرُهُ أَقَلَّ الْوَاجِبِ، وَتَبْقَى فَائِدَةُ تَقْدِيرِ الْأَكْثَرِ بِهَا أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْهَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا، وَيُبَدِّلُ ذَلِكَ الْأَكْثَرَ بِنَوْعٍ آخَرَ وَهُوَ الْحَبْسُ مَثَلًا (قَوْلُهُ لَوْ بِالضَّرْبِ) يَعْنِي أَنَّ تَقْدِيرَ التَّعْزِيرِ بِمَا ذَكَرَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَعْزِيرَهُ بِالضَّرْبِ فَلَيْسَ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَكْثَرِ، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ التَّعْزِيرَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْوِيضُ أَنْوَاعِهِ مِنْ ضَرْبٍ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ) تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ، وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعَلَوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا فَيَنْزَجِرُ بِهِ. وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ، وَهُمْ نَحْوُ الدَّهَاقِينِ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ.

وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ، وَهُمْ السُّوقَةُ بِالْجَرِّ وَالْحَبْسِ. وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّاءِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الشَّافِي وَالزَّيْلَعِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَالدَّهَاقِينُ: جَمْعُ دِهْقَانٍ بِكَسْرِ الدَّالِ وَقَدْ تُضَمُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>