وَصَحَّحَ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ.
(وَمَا نَصَّ) الشَّارِعُ (عَلَى كَوْنِهِ كَيْلِيًّا) كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَمِلْحٍ (أَوْ وَزْنِيًّا) كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (فَهُوَ كَذَلِكَ) لَا يَتَغَيَّرُ (أَبَدًا فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُ حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ وَزْنًا كَمَا لَوْ بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ كَيْلًا) وَلَوْ (مَعَ التَّسَاوِي) لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَقْوَى بِالْأَدْنَى (وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ) وَعَنْ الثَّانِي اعْتِبَارُ الْعُرْفِ مُطْلَقًا وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ.
ــ
[رد المحتار]
وَنَسِيئَةً (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ) مُفَادُهُ أَنَّ الْكَمَالَ نَقَلَ تَصْحِيحَهُ عَنْ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَحَثَ مَا يُفِيدُ تَصْحِيحَهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ شَرْعًا بِمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ، أَمَّا إنْ كَانَ مَكَايِيلُ أَصْغَرَ مِنْهَا كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبْعِ الْقَدَحِ وَثُمُنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ، وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ بَعْضَ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ، بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ. وَلَقَدْ أُعْجِبَ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا، وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ فِي الْكَثِيرِ فَالْقَلِيلُ مِنْهُ حَرَامٌ اهـ فَهَذَا كَمَا تَرَى تَصْحِيحٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ نُقِلَ مِنْ بَعْدِهِ كَلَامُهُ هَذَا وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ كَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَالْمَقْدِسِيِّ.
[مَطْلَبٌ فِي أَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ]
(قَوْلُهُ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ إلَخْ) أَيْ كَهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَالْكَافُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اسْتِقْصَائِيَّةٌ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ أَبَدًا) أَيْ سَوَاءٌ وَافَقَهُ الْعُرْفُ أَوْ صَارَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي) أَيْ التَّسَاوِي وَزْنًا فِي الْحِنْطَةِ وَكَيْلًا فِي الذَّهَبِ لِاحْتِمَالِ التَّفَاضُلِ بِالْعِيَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَمَّا لَوْ عُلِمَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ مَعًا جَازَ وَيَكُونُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ.
مَطْلَبٌ فِي أَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّصَّ إلَخْ) يَعْنِي لَا يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمَنْصُوصِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ كَتَعَارُفِ أَهْلِ زَمَانِنَا فِي إخْرَاجِ الشُّمُوعِ وَالسُّرُجِ إلَى الْمَقَابِرِ لَيَالِي الْعِيدِ وَالنَّصُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ، وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْعُرْفِ عَلَى الَّذِينَ تَعَارَفُوهُ وَالْتَزَمُوهُ فَقَطْ وَالنَّصُّ حُجَّةٌ عَلَى الْكُلِّ، فَهُوَ أَقْوَى وَلِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» اهـ (قَوْلُهُ وَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ) كَغَيْرِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ (قَوْلُهُ حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ) أَيْ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ فِي الْأَسْوَاقِ لِأَنَّهَا أَيْ الْعَادَةَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَأَفَادَ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ النَّصِّ، لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشَّيْءِ أَوْ الْوَزْنِ فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا لِأَنَّ الْعَادَةَ إذْ ذَاكَ كَذَلِكَ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ فَتَبَدَّلَ الْحُكْمُ، وَأَجَبْت بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ عَلَى مَا تَعَارَفُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ مِنْهُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْعُرْفِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ كَذَا وَجْهٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ عَقِبَ مَا ذَكَرْنَا: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ أَبَا يُوسُفَ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ كَنَصِّهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: يُصَارُ إلَى الْعُرْفِ الطَّارِئِ بَعْدَ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَغَيُّرَ الْعَادَةِ يَسْتَلْزِمُ تَغَيُّرَ النَّصِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيًّا نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَحَاصِلُهُ تَوْجِيهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعُرْفُ الطَّارِئُ بِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّصَّ بَلْ يُوَافِقُهُ، لِأَنَّ النَّصَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute